من مكتبنا بتونس ادارة المستشار الحبيب بنصالح
كتب _ علي مصابحية
لا بد من التمييز بين ما يعرف بثقافة البلاد وبين الفعل الثقافي في البلاد، فالمصطلح الأول يدل على المخزون الفكري للمجتمع والموروث الحضاري للبلاد، ويشمل هذا المفهوم كل السلوكيات والعادات والمعتقدات المنتشرة في المجتمع والتي أصبحت ثقافة للبلاد، ليقوم العقل الجمعي بإنتاجها واستهلاكها وفق ما يضبطه الضمير المجتمعي، أما المصطلح الثاني فهو يدل على مدى الاستثمار في هذه الثقافة من خلال الإبداع الفني والأدبي، ليرتحل الحديث من البعد الثقافي النظري إلى البعد الثقافي العملي، عبر إنتاج الكتاب والسينما والمسرح والموسيقي، ومن خلال استهلاك المخزون الفكري والموروث الحضاري وترجمة الثقافة إلى فعل ثقافي يعكس مدى وعي المجتمع وتطور البلاد.
فأي دور للتراث الثقافي في تحقيق التنمية المستدامة ؟
انطلاقا من المقولة التي تفيد ان “التراث هو التاريخ الذي يعيش فينا ونعيش فيه في كل لحظة واحدة” ، يمكن التأكيد على أن التراث هو الاصالة والهوية و التقاليد و الانتماء وهي مفاهيم مرتبطة بحياة الافراد بكل عناصرها ، يعد التراث من العناصر الأساسية للهوية الثقافية عند الشعوب والجماعات والأمم والأفراد .
يطرح السؤال اي مقاربة نريدها لمسألة التراث والتنمية في علاقة وتماهي مع مختلف أشكال الحياة الإبداعية و الفكرية والثقافية والفنية خاصة أنه وجدت العديد من الدراسات التي تبحث عن العلاقة بين التراث والحداثة من جهة وعن العلاقة بين التراث والأصالة من جهة ثانية.
وتأسيسا على ذلك اصبح مفهوم التراث يحتل مكانة هامة وبارزة في الخطاب الفكري المعاصر حتى أن “ تداول كلمة تراث لم يعرف في أي عصر من عصور التاريخ العربي من الازدهار ما عرفه في هذا القرن”.
انفتح التراث على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وأصبح التراث الثقافي يتخذ ابعادا آخرى حيث لم يعد قطاعا هامشيا بل أصبح يحتل قلب التنمية ليس فقط في أبعادها الثقافية ولكن أيضا في الأبعاد الاقتصادية و السياسية فالإنسان من خلال ظهور مجتمع الشبكات التي تستخدم التكنولوجيات الجديدة في الاتصالات انتقل من الاقتصاد الصناعي إلى مجتمع الإعلام ما بعد الصناعي الذي أصبحت فيه التنمية تعتمد على الاقتصاد الثقافي والمعلومات أكثر من اعتمادها على المواد الأولية التقليدية ومصادر الطاقة. وهكذا أضحى “التراث الثقافي” بالمعنى الواسع للمصطلح مصدر ازدهار وتنمية .
لقد سعت الدولة التونسية إلى تنمية الآثار والتراث باعتبار أن البلاد التونسية تزخر بثروة تراثية هامة بمكونات مادية و غير مادية وهي ثروة تتميز بتنوعها فالتراث هو رافد أساسي للتنمية المستدامة على المستوى الوطني والجهوي والمحلي .
تماهيا مع هذا المبدأ يمكن وضع تصور إستراتيجي لسياسة التراث والشروع في تنفيذها وفقا للاهداف التالية :
• النهوض بالسياحة الثقافية
. إدماج التنمية التراثية ضمن الخطة الوطنية لتهيئة المجال الترابي بتنمية المواقع الطبيعية والتاريخية الداخلية وجعلها قاطرة للتنمية الجهوية.
• إيداع ملفات أهم المواقع للتسجيل في القائمة التمهيدية للتراث العالمي
• تثمين المخزون التراثي غير المادي على نطاق عالمي.
• إيداع ملف تسجيل مكونات التراث غير المادي على لائحة التراث غير المادي لليونسكو
. إبراز المخزون التراثي المحلي المتميز والفريد وتثمين إسهامات المبادرات الشبابية الفردية والقدرات الفنية الجماعية مما يمكن كل جهة من التعريف بتراثها الثقافي
. تصور وإعداد برامج تربط السياحة بالثقافة من خلال ثنائية الاعلام و المعالم
– تكريس تصورات للثقافة الرقمية في علاقة بالتراث
– النهوض وتثمين الموروث و استغلال التراث
إن كل مراهنة على الثقافة هي رهان على الانسان والقيم الانسانية والارتقاء به ويتعين تعزيز ماهية وزارة الثقافة وتثمين مهامها باعتبار أنها تعتبر مصادر متميزة لمعاني الفكر والتطور الانساني وأساس جذري لتكوين الشعوب والحفاظ على هويتها وعلى ملامح التنمية الانسانية.
وأعتقد جازما بأهمية ضمان استقلال قطاع التراث والآثار عن قطاع الثقافة والفنون بانشاء هيكل مستقل يهدف إلى الابقاء على التراث بمعناه الثقافي والحضاري مع تطويره من أجل المساهمة في الناتج الداخلي الخام وفي الاقتصاد بخلق حركية سياحية ثقافية ، ومن هنا تأتي اهمية توظيف التنمية المتحفية ورصد واحصاء المجموعات المتحفية بهدف تطوير مؤشرات السياحة الثقافية، وضرورة الاستثمار في المعرفة المتحفية مما يخلق اختصاصات مختلفة في مستوى العاملين ، هذا فضلا عن توحيد الجهود والايمان بأهمية الصناعات الابداعية الثقافية القادرة على تعزيز قيمة الثقافة .
وفي الختام ، تحية صادقة من الأعماق لكل العاملين بقطاع التراث اعترافا بالمجهودات الكبيرة التي يقومون بها من اجل الرقي وتطوير هذا القطاع المهم.
التعليقات مغلقة.