محمود الوروارى
الأحداث السياسية الكبيرة تخلق تداعيات كبيرة أيضا، ومنها اعادة ترتيب خارطة التحالفات فى المنطقة، ولعلنا نذكر ما حدث بعد ثورة 25 يناير خصوصا فى عام مرسى المعزول حيث تم تقارب تركى قطرى وأحيانا إيرانى ولما قامت ثورة 30 يونيو تحول هذا التقارب إلى تباعد بل عداء معلن خصوصا من أردوغان. وربما كانت قطر دائما خاضعة لسياسة الاحتواء الخليجى إما بالعقاب مثل سحب السفراء الخليجيين ثم عودتهم وإما بالهدهدة أحيانا. «عاصفة الصحراء» عنوان مرحلة تاريخية بامتياز وليست مجرد تحرك عربى ضد فصيل عربى مارق، هذه العاصفة زلزال كبير لها توابع وله تداعيات ابرزها تكسير وتهشيم التحالفات التى كانت قائمة وتأسيس تحالفات جديدة بغايات جديدة. وهنا اشير إلى التحالف التركى الإيرانى، سيقول البعض لم يصل الامر إلى تحالف ولكن هنا اعيد التذكير بهذه الزيارة التاريخية التى قام بها حسن روحانى الرئيس الإيرانى إلى أنقرة والتى صُنفت على انها زيارة تاريخية باعتبارها اول زيارة لرئيس إيرانى إلى انقرة منذ عام 96 رغم زيارة قام بها الرئيس السابق احمدى نجاد إلى اسطنبول صنفها هو بأنها زيارة عمل وفُسر ذلك وقتها برغبته فى الهروب من البروتوكول التركى الذى يُجبر من يزور انقرة بزيارة قبر اتاتورك وهو مايرفضه احمدى نجاد ويرفضه النظان الإيرانى. قمة روحانى ــ اردوغان فى أنقرة اكتسبت دلالتها فى التوقيت فقد جاءت فى نفس موعد حفل تنصيب السيسى رئيسا لمصر ووقتها اعتُبر ذلك تأسيسا لتحالف ثلاثى يضم «تركيا وإيران وقطر» ضد ثورة مصر ونظام مصر ومن خلفها دول الخليج الخمس والاردن وبمرور الوقت اثبتت الاحداث صدق هذا التقارب، لكن منذ الاعلان عن عاصفة الحزم الاخيرة حدثت التغيرات، وهنا اشير إلى تكسير أول أضلاع التحالف الثلاثى وهو الضلع الرابط بين تركيا وإيران: الخارجية الإيرانية استدعت القائم بالاعمال التركى فى طهران على خلفية تصريحات «أردوغان» شديدة اللهجة والتى نقلتها وكالات الأناضول والتليفزيون التركى حيث طالب إيران بسحب قواتها من اليمن وسوريا ومن العراق واحترام سيادة هذه الدول». وعلى إثر هذا التصريح خرج عدد من النواب والسياسيين الإيرانيين مطالبين بإلغاء زيارة منتظرة من اردوغان إلى طهران، فى نفس الوقت كتب بعض المحللين العارفين بدهاء اردوغان بأنه اراد ان يفسد الزيارة وينهى ذلك التحالف القديم ويخرج من ذلك الحرج لأنه دخل ضمن التحالف الجديد العربى السعودى المصرى وهنا اعادة استحضار لتزامن تواجد اردوغان والسيسى فى الرياض فى نفس الوقت دون ان يلتقيا وهذا معناه سياسيا ان يحتفظ كل طرف بخلافاته وينصهر فى التحالف الكبير لحين تصفية الخلافات الثنائية. أما الضلع الآخر لمثلث التحالف القديم فعنوانه قطر، هذه المرة هى داخل السرب وتشارك فى عاصفة الحزم وهذا يعتبر اعادة بناء جديد لضلع يصل قطر بمحيطها الخليجى بعد أن ظل لفترة مهشما. هذا لايختلف كثيرا عن ضلع اخر يربط قطر بمصر لم نجد دلالات لإعادة بناء ما تهشم وتكسر وتحطم بين الدولتين ولكن مشاركة الأمير تميم فى القمة العربية فى شرم الشيخ واستقبال الرئيس السيسى له بهذه الحفاوة فُسر على انه على الاقل استعداد لإعادة بناء ما تكسر من ضلع العلاقة الاعوج بين الدولتين. عودة تركيا إلى محيطها العربى السنى استوجبت ابتعادا عن إيران وبدأت فى تنفيذه، وعودة قطر إلى محيطها الخليجى والمصرى يستوجب توقفا عما تسببه قطر من قلاقل فى المنطقة ولعب دور المارق دائما وهذا ما ستثبته الأيام فالنوايا وحدها لا تكفى. هناك تحالف اخر وهو التحالف السعودى المصرى مع امريكا، وامريكا على اقل تقدير بين نارين، نار رغبتها فى انجاز تقدم ملموس فى مفاوضات المللف الإيرانى النووى الذ اقتربت مهلته من النفاد فى الثلاثة اشهر القادمة ومازالت القوى الست الكبرى متمترسة خلف شروطها ومازالت إيران متمترسة خلف شروطها، إيران بالنسبة لأمريكا هى الورقة التى تلاعب بها دول الخليج ومصر وهى ما يمكن ان نسميه ورقة الاستغناء، امريكا ترى ان نفط إيران يكفيها عن نفط الخليج وموقعها ودورها يؤدى غرض التواجد فى المنطقة والمشروع الشرق اوسطى بعد ان اصبحت إيران تتوغل فى العراق، سوريا، لبنان، البحرين، وهى الان فى اليمن. أما نار أمريكا الثانية وهى نار رغبتها فى استمرار علاقتها مع حلفائها الدائمين وهم دول الخليج ومصر والأردن وواضح ان كفة هذه العلاقة هى الراجحة فى السياسة الأمريكية والدليل ان البيت الأبيض اعلن تأييده لعملية عاصفة الحزم بل وأبدى استعداده لأى دعم لوجيستى. فى نفس الوقت أمريكا تبقى على خيط الود قائما مع إيران وهى تدك مواقع داعش فى العراق تاركة الميليشيات الشيعية تبطش بالمكون السنى بحجة ان كل الُسنة هم من داعش وهذا خطأ وظلم. هناك متغير اخر فى تحالف أظهر ثباته فى الفترة الماضية وهو التحالف المصرى الروسى، هذا التحالف المصرى مع روسيا عكس الموقف الخليجى مع روسيا ولعل تصريح وزير الخارجية السعودى فى القمة العربية حين اعلن الرئيس السيسى عن رسالة بوتين إلى القمة واعتراضه على الدور الروسى فى الأزمة السورية وان السلاح الروسى هو الذى يقتل السوريين يضع مصر فى موقف محرج أيضا: هل ستضطر مصر لتجميد أو تبريد العلاقة مع روسيا الفترة القادمة ارضاء للتحالف الجديد؟
التعليقات مغلقة.