src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

عجوز الميدان

70

قصة ل نونا يوسف
المكان : مقعد فى ساحة ميدان التحرير.
الزمان: قبيل العصر . فصل الشتاء
حالة الطقس: سماء ملبدة بالغيوم تنذر بهطول أمطار.
الشخوص: فتاه يافعة و عجوز رث الهيئه.

تبحث بعينيها عن مقعد شاغر. كل المقاعد ممتلئة بالبشر . منهم من جلس ليريح بدنه و منهم من يأكل و منهم من يتغزل فى محبوبته و منهم النائم. همت بالإنصراف فوقع بصرها على مقعد شبه خاوى. ألقت بجسدها على المقعد الوحيد الخالي فى الساحة…… لم تعبء بوجود العجوز الجالس على أقصى حافة المقعد.

جلست دون أن تلقى بالتحية……. أخرجت من حقيبة يدها شطيرة ساخنة. فتحتها و نظرت لمحتواها بارتياح . تشترى دوماً شطيرة اللحم الساخن بعد أن تنتهى من عملها من هذا المطعم السورى الجديد. لا تستطيع أن تتحمل الجوع فلا تنتظر عودتها للمنزل . تشتم رائحة الخبز و اللحم …. كم هى شهيه . تعشق المأكولات السورية, تشعر أنهم يطهون الطعام بمزاجية عالية .

شرعت فى إلتهام اول قضمة من شطيرتها باشتهاء. و مع القضمة الثانية شعرت بصوت همهمات من قبل العجوز. فى البداية لم تلقى بالاً لما يغمغم به. من المؤكد أنه لا يتوجه إليها بالحديث.
– لم يدخل شيئاً فى جوفى منذ يومين.
توقفت عن الأكل. و نظرت إليه. …
– عفوا أتتحدث إلى . استمر دون النظر إليها.
– ألقت بى إلى قارعة الطريق دون غطاء أو دواء.
اعتدلت فى جلستها و أدارت جسدها نحوه و نظرت إليه بكل عينيها. يا الله علامات السنون تخط آثارها العميقة بصفحة وجهه . هزالاً شديداً بجسده و انحناءاً بقامته. قالت ببطئ.
– من ألقى بك الى الشارع ؟….
– اختى توسلت إليها أن تتركنى أكمل ما تبقى من عمرى تحت سماء هذه الغرفة. و لكنها أبت إلا أن تحرمنى الستر فى اخر ايامى.
شعرت بغصة فى حلقها. توقفت عن مضغ الطعام فقدت شهيتها ….. أخذ يردد
– لم يدخل جوفى شيئا منذ يومين.
مدت يدها إليه بالشطيرة. شكرها دون أن ينظر إليها. شعرت أن له نفساً عفيفة لا تسأل الناس الحافا. استطرد. – ارسلتنى لأبتاع لها بعض الأغراض من السوق و حين عدت و طرقت الباب أبت أن تفتح لى و صرخت عد من حيث أتيت لا طاقة لى بخدمتك و تطبيبك و تنظيف ثيابك و فراشك.
– دعينى فقط ادخل و لن ازعجك أو اطلب منك شيئا.
صرخت فى قسوة ارحل عنى. توسلت اليها أن تفتح لى كى أجمع دوائى .
فتحت الباب فتحه صغيرة و ألقت بالدواء خارج الغرفة.
– و ها أنا ذا بالعراء بلا غطاء يقينى لسعة البرد القارس.

رفع يدا معروقة مسح بها عبرة سالت على اخاديد تجاعيد وجنته.
سألته : أين تنام اذا ما حل الظلام.
– أسفل هذا المقعد. أرادت أن تسأله أسئله كثيره عن مأكله و ملبسه فمنعتها رهافة مشاعرها خشية أن تزيد من آلامه.
أعتصرت عبراته قلبها أرادت أن تسأله اين هذه الغرفه لأذهب لشقيقتك و أتحدث معها .
ودت لو تعرف ما الذى يحجر القلوب و ينزع منها الشفقة . ذات قلب حنون هى ترق لكل سائل. تهتم بأمر البشر كتيرا, يؤلمها شقاءهم و خاصة كبار السن منهم . آلا تكفى قسوة الكبر و وحدتها فتضاعفها قسوة البشر نحو بعضهم البعض. لا تنهر سائلا قط , تعمل بقول الله تعالى ” و فى اموالهم حق معلوم للسائل و المحروم.” و لكنه لم يسأل منعته عزة نفسه ان يمتهنها بالسؤال . شعرت بحاجته الى المساعدة . أخرجت حافظة نقودها و طوت بعض النقود لا تدرى كم و وضعتها فى يده و ربتت عليها. أبعد يدها فى امتنان قائلا.
– انا لا أشكو العوز أردت فقط أن أبوح بما فى صدرى ربما يخف حمله و يستريح.

غالبت عبرات حارة أبت آلا تسقط من مقلتيها . ألحت فرفض. جلست بجواره واجمة , حزينة , ثم نهضت مودعة .

وضعت شطيرة اللحم فى لفافة الطعام و تركت النقود بداخلها . أنصرفت مسرعة و هى تغالب دموعها.
أخذت تراقبه من بعيد بدا ضئيلاً و ضعيفاً وسط الميدان الشاسع.
الميدان الذى احتشدت به الجموع و ضجت سمائه بهتافاتهم مطالبين ب ( عيش, حريه , كرامة انسانية).
ما أجملها من هتافات . لا ترى منها شيئا الآن على الإطلاق . ترى جوع , ذل , امتهان كلها تمثلث فى شخص هذا العجوز الجالس بطرف المقعد.
لم يلحظ انصرافها . ظلت تراقبه . دعت الله ان يرى الطعام و النقود .
نظر للسماء الغائمة فى تضرع فنزل الغيث مع غيث عينيه و عينيها . لم يرتعد من البرد بل ظل رافعا رأسه إلى عنان السماء طويلاً. التفت جانبه فرأى لفافة الطعام بحث بعينيه عنها . ضاعت فى رحابة الميدان . فض اللفافة و اخرج ما بها من طعام و نقود . عاود حديته مع رب السماء فى تمتمات شكر طويلة.
علا صوت الآذان . الله أكبر الله أكبر . أطرقت . ليس لها من دون الله كاشفة .
غادرت مخلفة ورائها عجوز الميدان .

التعليقات مغلقة.