src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

الرمال السوداء … ذهب مصري جديد …بقلم :لواء دكتور/ سمير فرج

112

استوقفني افتتاح الرئيس السيسي لمشروع مجمع مصانع الشركة المصرية للرمال السوداء، في مدينة البرلس، بكفر الشيخ. ظهرت فكرة هذا المصنع منذ خمس سنوات، واستغرقت دراسات الجدوى الخاصة به مدة ثلاث سنوات، على أن يتم تنفيذ المشروع بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص، في ضوء تزايد طلبات السوق العالمي على هذا المنتج، من ناحية، وتوفر المقومات الأساسية لإنتاجه في العديد من مناطق مصر، من ناحية أخرى، مثل بحيرة ناصر، وبرنيس، وساحل البحر المتوسط حتى مدينة رفح، حيث تمتد الكثبان الرملية، على الشريط الساحلي، بين رفح وأبي قير بالإسكندرية، بطول 400 كيلو متر، علماً بأن الرمال السوداء هي رمال شاطئية، سوداء اللون، تحتوي على نسب عالية من المعادن الاقتصادية.
وكان من اللازم أن تبادر الدولة، بالاستثمار، بنفسها، في البداية، كنوع من التشجيع لرأس المال الخاص، لاستغلال باقي مناطق الإنتاج في مصر، في ظل توقعات ربحية المشروع، خاصةً وأن كل منتجات ذلك المشروع يتم تصديرها للخارج، بالعملة الصعبة، بعائد يتراوح بين 20 إلى 25%. هذا المشروع الذي أقامته مصر هو الأحدث من نوعه، على مستوى العالم، باستخدام تكنولوجيا التعدين المتطورة، لحسن استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في مصر، من الرمال السوداء على شواطئها، لاستخلاص المعادن منها، التي تستخدم في العديد من الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية المتنوعة، إذ يستخرج منها معادن، تُعد مُدل إنتاج في 49 صناعة استراتيجية، منها الألمينيت والزيركون والماجينيت والجارنت والروتيل والمونازيت.
اعتمدت فكرة إنشاء هذا المصنع على الرمال التي تترسب عند مصبات الأنهار، فتتحول، مع الوقت، إلى معادن رملية وصخرية على الشواطئ، ولما كان هذا المصنع يحتاج إلى كراكة بمواصفات خاصة، فقد تم تصنيع كراكة خاصة، في هولندا، لاستخدامها في هذا المشروع، كأول كراكة، في العالم، صديقة للبيئة، وتعمل بالكهرباء، بدلاً من الديزل. وقد ساهم هذا المشروع في توفير خمسة آلاف فرصة عمل للمصريين. فضلاً عن تصديه لسرقة الرمال السوداء، لاستخدامها في أغراض البناء، بتجريم مثل ذلك الفعل، والمعاقبة عليه جنائياً؛ لإتاحة الفرصة لاستغلال الرمال السوداء، بالطريقة المثلى، وتعظيم الاستفادة منها، وتحقيق القيمة المضافة، باستخراج المعادن، والمتوقع أن تدر دخلاً على مصر يعادل ثلث دخل قناة السويس.
وقد جاء هذا المشروع ليثبت أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها مصر، الآن، مع جميع دول العالم، نتيجة توابع الحرب الروسية الأوكرانية، التي أنهكت الاقتصاد العالمي، وجعلت من التضخم وارتفاع الأسعار أهم سماته، إلا أن مصر مستمرة، بإصرار، في تنمية اقتصادها، وضخ أموال للاستثمار، من أجل مستقبل واعد لهذا الشعب. وبالنظر إلى الفرص البديلة، فقد تسمع آراء ترى إمكانية ضخ هذه الأموال لتدبير الاحتياجات العاجلة للمواطن، إلا أن فلسفة الإدارة المصرية، الهادفة للتنمية والنمو، تعتمد على الاستثمار باعتباره الوسيلة الحقيقية لتوفير فرص عمل وإدارة عجلة الاقتصاد، وهو ما دفعها للاستثمار في هذا المشروع، وغيره، رغم التحديات الاقتصادية.
تشمل مصر، حالياً، 11 موقعاً على مستوى الدولة، يقدر إجمالي احتياطيها الاستراتيجي من الرمال السوداء بنحو 5 مليارات متر مكعب، يمكن استغلالها خلال 200 سنة قادمة، منهم مشروع مجمع البرلس الصناعي، الذي يقدر إنتاجه بحوالي 298 ألف طن من خام الألمنيت، و25 ألف طن من خام الزيركون، و12 ألف طن من خام الجارنت، و11 ألف طن من خام الوتيل، و45 ألف طن من خام المونازيت. ويجري، حالياً، تنفيذ أعمال فصل وتركيز المعادن من الرمال السوداء في البرلس، ليليها أعمال الاختبارات والتشغيل في منطقة رشيد، ثم تجهيز وحدات استخلاص المعادن في بركة غليون. ولعل من أهم عوامل نجاح المشروع، أن هيئة المواد النووية المصرية، قد شاركت في دراسة الجدوى الخاصة به، وانتهت منها في عام 2003، إلا أنها لم تجد الإرادة السياسية لتنفيذ المشروع، حتى تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2014؛ ليصدر أوامره بتنفيذ المشروع، ويصبح باكورة أمل جديد لاستغلال الإمكانيات المصرية.
وقد كانت معاناة محافظة كفر الشيخ من أعلى معدلات بطالة، السبب وراء اختيار إقامة المشروع بها، لتوفير فرص عمل لأبنائها، التي كانت، في وقت من الأوقات، منفذاً للهروب، عبر البحر المتوسط، إلى أوروبا. فجاء هذا المشروع، ومن قبله مشروع مزارع الأسماك في غليون، بنفس المحافظة، ليؤكد للمواطن، أن الدولة ترعى أبناءها في مختلف الأماكن، خاصة تلك التي تعرضت للتهميش لفترات طويلة، لتجعل منها منطقة جذب، بدلاً من أن تكون منطقة لرحلات الموت والهجرة غير الشرعية.
ومع كثرة وتنوع ثروات مصر الطبيعية، يتأكد لنا أن المنهج العلمي، والرؤية الواضحة، هما السبيل لحسن استغلالها، وإدارتها … فأتمنى أن يصبح هذا المشروع نموذجاً تطبيقياً، حيث تمت دراسة جدواه من جهة متخصصة، أثبتت ارتفاع عوائده، مع وجود فرصة لمشاركة القطاع الخاص به. وعند تنفيذه تم التركيز على المناطق المحرومة من الفرص الاستثمارية، اعتماداً على مبدأ العدالة الاجتماعية، من أجل توفير فرص عمل لأبناء هذه المناطق، وهو أمر مهم منوط به وزارة التخطيط التي لديها البيانات الكاملة عن محافظات مصر، ونسبة البطالة في كل محافظة، ومن هنا تكون نسبة البطالة أحد عوامل تزكية البدء في هذه المشروعات.
لذا كانت الإشادة واجبة باستمرار التنمية والاستثمار، رغم كل الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر ودول العالم كله، وهو أمر يحسب للقيادة المصرية.

التعليقات مغلقة.