src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

“أنا مصري و كفي”… الهوية المصرية…. بقلم: ريهام المغربي محاضر لغة إنجليزية بالجامعة الامريكية

111

اذا أردنا الحديث عن الهوية المصرية لابد أن نتعرف في البداية على معنى كلمة ‘ هوية’ . فهي مشتقة لغويا من كلمة ‘هو’ ، ولكنها من منظور علم النفس تعني الفردانية أو تقدير الذات وبشكل عام هي إحساس الفرد بإنتمائه وإندماجه داخل جماعة ما ثقافيا واجتماعيا وعرقيا ودينيا ومهنيا وحتى ارتباطا باللغة. هي -في جزء منها- تقدير المرء لذاته سواء كفرد أو في علاقته بالأخرين، وتزداد معرفة الشخص بهويته عن طريق فهمه لذاته التي هي مزيج من الإنتماءات التي يميل إليها وأغلبها عادةً لا يختارها الفرد بنفسه كطبقته الإجتماعية والإقتصادية وكذلك العرق والدين. لذا قد يكون للإنسان أكثر من هوية لا تتعارض مع بعضها البعض كأن تكون مصريا ( بلدا) ، مسيحيا (ديانةً) امرأة (نوعا) كفيفا (إعاقةً) ، وهكذا دون ثمّة تعارُض ، ولأن الأولويات هي ما يتحدد عليها السلوك البشري في أوقات عديدة فبناء علي ترتيبك لتلك الأوليات وجدانيا وعقديا تتحدد اجابتك عن كونك مصريا أو عربيا أو مسلما…

ومن الطبيعي أن هوية الشخص تتشكل عبر الوقت في سياق المجتمع الذي ينشأ فيه وتتأثر بعاملي الزمان والمكان.
ومن المعلوم من التاريخ بالضرورة أن الحضارة المصرية هي الأعمق والأرسخ والأقدم ، فمصر القديمة كانت فجر الضمير وواحدة التاريخ
ولذلك تعددت روافد الهوية المصرية بثقافاتها العتيدة وتاريخها التليد وتنوعها المتفرد، بدايةً من أجدادنا من قدماء المصريين في الدولة الفرعونية بعصورها المختلفة مرورا بالعصر اليوناني والروماني ثم الحقبة القبطية ومن بعدها الفتح الإسلامي بعصوره المختلفة من الأخشيديين والفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم الغزو العثماني الدموي مرورا بالخديوية والملكية المصرية وصولا للجمهورية الاولى وانتهاءً بالجمهورية الجديدة.

مما سبق يتضخ علي وجه اليقين أن المصريين يمتلكون هوية متفردة ذات أبعاد متعددة. يأتي البعد المجتمعي في مرتبة متقدمة ضمن تلك الأبعاد حيث مر المصريون بالعديد من الأزمات التي زادت من وحدتهم وترابطهم المعهودين . ويعتبر البعد الإجتماعي من أكثر هذه الأبعاد صلابة وأهمها تأثيرا حيث يظهر هذا الجانب بجلاء حيت تشتد الخطوب وتتوالي الأزمات لاسيما حين يشعر المصريون بخطر يحدق بوطنهم المقدس .
ويحتل البعد الديني مكانة خاصة داخل قلوب وعقول المصريين منذ فجر التاريخ حيث كان قدماء المصريين أول من نادي بالتوحيد وما لبثوا أن اعتنقوا الشرائع السماوية في تناغم واتحاد وتعايش نادر و مستمر حتي هذه اللحظة ، حيث يعيش أبناء الوطن بإختلاف ديانتهم في نسيج واحد ومتماسك مشكلا أحد أهم مكونات الشخصية والهوية المصرية وليس أدل علي ذلك من شعار مصري خاص وخالص وهو ‘الدين لله والوطن للجميع’
ثم ياتي البعد العربي وارتباطنا الوثيق والممتد به لقرون ، فالبعض يعتقد اننا عرب ولكن الحقيقة أننا مصريون نتحدث العربية والأمة المصرية تمتلك قوميتها الخاصة لكننا لسنا عربا ولكن العربية جزء من هويتنا الخاصة، فليس كل من تحدث العربية عربيا كما أنه ليس أي افريقي يتحدث الفرنسية فرنسيا بالضرورة ، والأمثلة علي ذلك كثيرة . ورغم أن المصريين يتحدثون العربية منذ قرون إلا أنهم صنعوا لهجة مصرية خالصة هي خليط غالبيته من اللغة العربية الي جانب مفردات من اللغة المصرية القديمة واللغة القبطية مع بعض الكلمات من مخلفات الأتراك.
وأخيرا وليس آخرا، تأتي الهوية الأفريقية والبعد الإفريقي وانتمائنا لقارتنا السمراء و كيف كانت مؤثرة في تشكيل وجدان وثقافة وهوية المصريين منذ القدم.

ولكن يؤسفني القول ان لدينا الٱن أزمه هوية لا تخفي علي أحد ، فأجيال المصريين حاليا لا يدركون بوضوح أن لحضارتنا وهويتنا طابع خاص ، فنحن المبدعون المكتشفون.المختلفون علي مر التاريخ . نحن أصل العلم والصناعة والزراعة ، نحن الاصل والأساس حيث ننتمي لحضارة عظيمة شكلت هوية البشرية وضميرها ، نحن الهوية الجامعة للعروبة والأديان والثقافات المختلفة مما شكل عمق وثراء الهوية المصرية . ولا يخفي علي أحد تعرض مصر عبر التاريخ لمحاولات هائله لتزييف تاريخ الهوية والشخصية المصرية ، وكانت مصر أبية علي التغيير رغم توالي الغزاة حيث تمصروا هم ولم تتغير مصر . أما الٱن فقد تغيرت صور واستراتيجيات هذه المحاولات بعد ثورة المعلومات والانترنت والسوشيال ميديا مستهدفة شبابنا بأفكار متطرفة لطمس فكر الشعب المصري المعتدل الطبع المتناغم والمحب لذاته وللٱخر . ومنذ نشأة الاسلام السياسي زادت أزمة الهوية حيث لا يفهم هؤلاء المدعون الحد الفاصل بين الانتماء للوطن والدين في ٱن واحد . كما نشهد كل عام فتاوى سلفية تحرم تبادل التهاني مع إخواننا المسيحيين المصريين وفتاوى أخرى تقلل من شأن المرأة وتزدريها مع محاولات كثيره لتفتيت الشمل المصري المترابط ومحاولات لتفتيت الدولة الى دويلات طائفية ودينية وهولاء المتإسلمين يعتبرون الإنتماء الديني هو الأصل ويعتبرون الوطنية انتقاصا من هذا الانتماء ، ولكن هذا الأمر يتطلب من القيادة السياسية وعيا في مواجهة هذه المحاولات الخبيثة والمتكررة والمستمرة دون يأس أو كلل .

يجب أن تتبني الدولة المصرية خطابا وطنيا مدروسا بعناية لإنقاذ الهوية الوطنية من هذه المحاولات . ويجب أن يضع هذا الخطاب صوب عينيه اختلاف المكون الثقافي باختلاف جغرافية مصر بحواضرها ومدنها وقراها في شمال مصر وفي الصعيد والسواحل وسيناء ومطروح وغيرها .. هذا الخطاب أيضا لابد أن يضع في الحسبان السوشيال ميديا وتأثيرها اللامتناهي حيث أنها واقع افتراضي موازي للمجتمع الواقعي فلابد من اختراقه بخطاب إليكتروني موازي للعصر الجديد الذي لا نملك ترف تجاهله .

إن الحفاظ علي هويتنا المصرية التي تشكلت عبر ٱلاف السنين يقع في القلب من دوائر الأمن القومي المصري ويجب أن يكون هذا الهدف علي رأس أولويات صانع القرار فشبابنا وبناتنا وأجيالنا القادمة وتاريخنا الهائل وثروتنا الثقافية هم جميعا أغلي ما نملك .ودون تهويل أو تهوين لا يجب أن نستيقظ علي وضع لم نكن تخيل يوما أن نصل له… وبقراءة متأنية للتاريخ أثق في أننا سوف ننتصر في معركة أزمة الهوية المصرية ليس عندي شك .
اللهم احفظ مصرنا وهويتنا.

التعليقات مغلقة.