أخر الأخبارالمقالات

*أيها الرفاق ! إلي أين ذاهبون ؟* بقلم..*الحبيب النوبي*

حياتنا مبنية على ثلاث محطات الأولى هي الكمال والثانية هي الغربة وأما الثالثة ، فهي العودة إلى الوطن …….. قبل أن نخوض كلّ هذه المعارك ، كنا في أمان لم نكن نعرف معنى الحزن والضياع ، ولا طعم المشاكل ولا الفراق وأمّا الموت ، فكان كلمة بلا معنى . لا تحرّك ساكنا في القلوب ولا تؤلم . لم نكن نعرف معنى أن يشعر المرء بالتّيه في داخله . كان كل شيء على ما يرام . لأنّنا كنّا بين أحضان الله . ثمّ بدأ العدّ التّنازلي واختار كلّ منّا أن يكون حرّا أكثر ويعيش القليل من المغامرات لاكتشاف الحياة من باب آخر . بابُ الانفصال عن الله . ومن هذه النّقطةِ بالتّحديد ، بدأت معاناة البشر . عندما ضاعت البوصلة وتشوّهت الرّؤية وبرزت المغريات وزُيّنت الدّنيا بألوان من كان الأفضل ، من كان الأسرع ، من كان الأقوى ومن كان الأظلم . وشيئا فشيئا ، اتّخذنا لأنفسنا إلها من دون الله الواحد الوحد . وأصبحت المادّة إلها ، الحبيب إلها ، العائلة إلها ، الدّنيا في حدّ ذاتها إلها ….. ومع مرور الزمن ، بحث البشر عن سبب مقنع لكلّ هذه الغربة الّتي يشعرون بها . وتفكّك السّبب الرّئيسيُ إلى مسمّيات حتّى باتت المسمّيات أيضا إلها . وفي وسط كلّ هذا ، لا يزال الله يراقبنا بصمت وبحبّ ورحمةٍ كبيرةٍ جدّا ، علّنا نستفيق من غفلتنا وعبادتنا لكلّ ما هو زائل ….. لا يزال الله ينتظر أن ينصت أحد أحبابه إليه ليحدّد وجهة الطّريق مجدّدا . أيّ طريق نسلك نحن ؟ إلى أين ذاهبون ؟ مالمغزى من كلّ هذه الصّراعات ؟ ولماذا نسعى لإثبات أنفسنا ؟ مالذي ينقصنا وماهو وجعنا الحقيقيّ ؟ ممّ نشتكي نحن ؟ أيّها الرّفاق . أحبّتي إنّ الطّريق واحد والرّبُّ واحد . لا يمكن أن تذهب بعيدا وأنت منفصل عن حقيقة من أنت . لا يمكن أن تسعد حقّا وأنت تسعى وراء أشياء زائلة لا قيمة لها . إنّ كلّ ما تسعى إليه ، غير موجود ، لأنّه في المستقبل وهل نحن في المستقبل ؟ إنّنا هنا ، في الحاضر . المستقبل ليس إلاّ إمتداد لهذه اللّحظة . أعلم أنّ وجع المرء هو فقدان المعنى . أن يعيش الإنسان بدون معنى ، فتلك هي أكبر خساراته . ولكن من أين يأتي المعنى ؟ كيف تصبح ذا معنى وأنت منفصل عن أصلك . كيف تجد نفسك وأنت تعبد نفسك معتقدا أنّك نفسك . وكيف تمجّد ظاهرك ، في حين أنّك لست جسدك . أين ذهبت الرّوح ؟ أين هو الله ….. من أنت ؟ لم يكن العيب يوما فيك ولم ينقصك شيء وكلّ ما تبحث عنه هو مجرّد جرحٍ جديد لقائمة جراحاتك السّابقة . إذا قيّمت نفسك من منظور أنّك ناقص ، فستملأ فراغك بنقص جديد . وإذا حكمت على نفسك بأنّك حزين ، فسيدخل حياتك من يزيد حزنا على حزنك . وإذا فكّرت في أنّ الحياة بلا معنى ، فستموت بأفكارك ونظرتك المظلمة . أمّا إذا تركت كلّ هذا وحاولت المراقبة من بعيد . وتجرّدت من كلّ العناوين الّتي حكمت بها على نفسك . لستُ حزن . لست نقص . لست جرح . لست أفكاري ، لست مشاعري ولا معتقداتي . ثمّ اغمض عينيك بعد نفس عميق وطويل . ارمي نفسك في الفراغ . لا شيء هناك . لا يوجد شيء . لا يوجد شيء على الإطلاق …… تخيّل كما لو كنت نورا فقط . من فوقك نور ومن تحتك نور وعلى يمينك نور وعلى يسارك نور . ثمّ ردّد بلسان قلبك وبهدوء . لا إله إلاّ الله أخبرني من أنت في الفراغ . من أنت بلا أيّ شيء . من أنت وأنت تردّد لا إله إلاّ الله ……… الله ستجده دائما في الفرح وفي السّلام ولكنّه معك دائما في جميع حالاتك . لا تنخدع بما تراه ولكن صدّق قلبك مرّة واحدة وجرّب أن تعثر على نفسك في الفراغ . هناك يوجد كلّ شيء . لأنّ الله ستراه دائما ولكنّك لن تشعر به إلاّ في تلك المساحة المقدّسة الّتي تُسمّى قلبك . ومن قلبك يتدفّق تيّار الرّحمن ليجعلك تراه هذه المرّة وأنت موقن أنّه فيك وليس في مكان بعيد . وفقط للتّذكير . كلّما كنتَ فرحا في العمق وراضي ، كلّما جسّدت دورك هنا بأمان وكنتَ خليفته على هذه الأرض الطّيّبة . ستعرف ذلك عندما تصبح أنفاسك خفيفة وأخيرا يزول ذاك الحمل من على كتفك . ولكن لا بأس إذا لم تكن بخير الآن . إنّ كلّ ما يأتي من الله خير ، ربّما أنت هو الّذي لا ترى هذا الخير . ربّما تحتاج فقط لكوب من الماء والجلوس بمفردك في صمت وتقديم بعض الثّناء لمن أنعم عليك بك . ويا حبيبي . أنت كما أنت وفي ايّ حال كنت ، لستَ مفردك . إنّه دائما معك وبداخلك . سيلتقطك دائما ويحميك دائما لأنّك حبيبه دائما ..
إغلاق