src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

علماء دار العلوم…الدكتور حسن طبل: مدرسة بلاغية قرآنية فريدة

191

قلائل هم الذين يتركون في نفسك بصمة إنسانية، ومنهجية علمية وفكرية، فلا تستطيع -مهما ابتعد بك الزمان- أن تخلو من الخير الذي تركوه فيك، وتظل تجني من ثمار البذر الذي زرعوه في طريقك. ويضيف أحد طلابه النابغين….وأجزم أن من هؤلاء -في حياتي- الدكتور حسن طبل، Dr-Hassan Tabl أستاذ البلاغة والنقد في كلية دار العلوم جامعة القاهرة -متعه الله بالعافية وأحاطه بلطفه وعنايته وفضله-. وبالطبع لا أستطيع أن أشير -في هذه الأسطر القليلة- إلى كل مناقبه العلمية والإنسانية، أو حتى إلى جزءٍ يفي بحقه عليَّ وعلى أبناء جيلي، ولكن بحسب وارد النهر العذب أن يغترف غرفة بيده.

عرفتُ أستاذنا منذ الفرقة الأولى في الكلية؛ إذ تلقيت على يديه الدروس الأولى للبلاغة العربية في (علم البيان)، وكنت أجلس بين يديه جلوس المتيم المستهام، أرهف السمع إلى تحصيل تلك الأصول العلمية في الفهم والتحليل والاستنباط، ثم درستُ على يديه (النقد الأدبي القديم) في الفرقة الثانية، ثم سافر أستاذنا إلى خارج البلاد، فما انقطعت عني آراؤه وأفكاره البلاغية والعلمية، إذ كنت دائم النظر فيما يقع تحت يدي من كتبه وأبحاثه وتحليلاته.

حتى إذا أنهيتُ مرحلة الماجستير في النقد الحديث، حدا بي شوق قديم -كان سببًا لاختياري الدراسة في دار العلوم- إلى التخصص في علوم البلاغة، وتحصيل أصولها التي تفتح للباحث آفاق الفهم والتأمل، وبخاصة في وجوه إعجاز القرآن الكريم، وذلك عبر مُدَارسَةِ علوم البلاغة ومناهجها، فكان أن طرقتُ باب مكتبه في الكلية -بعد عودته الميمونة- مع أستاذنا الحبيب الدكتور عبد الرحمن فودة، راغبًا في التتلمذ على يديه في مرحلة الدكتوراه، فأحسن استقبالي والاستماع إليَّ، مقدِّرًا أفكاري وآرائي على ضآلتها آنذاك، وكنت كلما اقترحت عليه أطروحة للدراسة في الدكتوراه قال لي: اقرأ، حتى مضت ستة أشهر على هذه الحال، فلما فرغَتْ جُعْبَتِي من الأفكار إذا به يؤسس في عقلي طريقًا للفهم والقراءة والنظر، ويوجهني إلى أهمية دراسة الظواهر القرآنية عبر آليات عدة منها: إحصاء النماذج، وتأملها بغرض القصد إلى فهم علل التنوع، وطرح الأسئلة البلاغية على الخطاب.

ولم أكن الوحيد من طلابه الذي حظي بهذا التوجيه والرعاية والعناية، بل هذا دأبه وديدنه مع من يختبر صلابته وعزمه وإصراره من الباحثين، فأستاذنا من فرط ذكائه واتساع خبرته -حفظه الله-، كان يمتحن قدرات كل باحث يأتيه، حتى إذا أدرك ما لديه من استعدادٍ ومهارة ومعرفةٍ وصبر، وضعه في موضعِه الذي هو حقيق به، وأناط به موضوعًا يناسبه، فأسس بذلك من جيلي -ومن قبله ومن بعده- مدرسةً بلاغيةً قرآنية، كانت امتدادًا لفكره، وتصوراته، وآرائه، وبخاصة أن أستاذنا رحبُ الصدر، واسعُ الفكر، متقد الذهن، يقبل الاختلاف العلمي من تلامذته ما دام الرأيُ مستندًا إلى أدلة، حتى وإن كان يخالف بعض ما يذهب إليه.

ولم تنقطع عني المداومة على كتبه ومطالعة أبحاثه والإفادة من منهجيته العلمية بعد نيلي درجة الدكتوراه، إذ لا أزال على ذلك عاكفًا حتى بعد حصولي على الترقية إلى درجة (أستاذ مساعد/ مشارك)، إذ أجد في كلامه نورًا، ولتأويلاته حجة، ولطريقته بركة، فهو لا يحب الغموض والإلغاز، ولا يُغريه زائف المناهج، ولا يغره بريق الحداثة الذي خلب ألباب كثير من الباحثين والدراسين، ولا ينشغل بتتبع الصيحات العلمية والنقدية إلا ما كان منها مؤسسًا على منهجية علمية صحيحة، فهو لا يعدو الأصالة العلمية لأي سبب، وطالعْ -أيها القارئ الكريم إن شئتَ التحقق- بحثه الماتع النافع: (صورة الكناية في القرآن الكريم)، لتقف على جانب من صدق مقالتي.

وهو مع ذلك -حفظه الله ورعاه- ليس من المؤلفين الذين يرغبون ويفخرون بكثرة التأليف، بل هو ممن يرى أن الريث مظنة التجويد، وأن بركة العلم النافع لا تحصل إلا بما يحققه من ثمرة علمية، فينظر إلى الغاية من التأليف، ومدى الإفادة والأصالة،وجدة الطرح البحثي، لذلك تراه لا يعبأ بالإكثار ما لم يكن مقرونًا بالنفع والقيمة العلمية.

لشيخنا الدكتور حسن -نفع الله بعلومه- كتب مهمة في البلاغة والنقد الأدبي، ولا يسعني في هذا المقام أن أذكر قيمة كل كتاب على حدة، لكن بحسب القارئ أن يعرف أن بعض كتبه بمنزلة المفاتيح المهمة -منتهى الأهمية- لفهم النظرية البلاغية، وتنظيم الأفكار النقدية في التراث العربي، وبعضها الآخر مؤسِّس لتصورات دقيقة في فهم وجوه الإعجاز القرآني.

من إنتاجه العلمي:
1-المعنى في البلاغة العربية.
2-المعنى الشعري في التراث النقدي.
3-أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية.
4-حول الإعجاز البلاغي للقرآن.. قضايا ومباحث
5-الصورة البيانية في الموروث البلاغي
6-علم المعاني في الموروث البلاغي
7-دراسات في المعاني والبديع
8-قضايا في تراثنا النقدي
وغيرها من الكتب النافعة، والأبحاث الماتعة، حول الظواهر البلاغية القرآنية، وقضية الفصل بين علوم البلاغة، وغيرها من التصورات العلمية المحققة، والتحليلات البلاغية المدققة.

حفظ الله شيخنا وأستاذنا الجليل، ونفع الله بعلومه في الدارين، وجعل غراسه العلمي في عقول تلاميذه في ميزان حسناته، وجعل كتبه وأبحاثه مما يُحاجُّ عنه يوم القيامة، “يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِها وتُوَفَّى كُلُّ نفسٍ ما عَمِلَتْ”.والحمد لله بدءًا ومختتما. راوي القصة….إبراهيم سعيد السيد

التعليقات مغلقة.