src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

تمثال ومكتبة للرائد المستنير بأكاديمية الفنون __ د.إلهام سيف الدولة حمدان

87

سُئل العقاد مرة: هل الفنون الجميلة من ضرورات الحياة، أم هي كماليات تأتي بعد لقمة العيش؟ فأجاب: بوسعنا العيش دون ملكة النظر سبعين عامًا دون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف، ولم يقل أحد لهذا إن الرغيف أهم من البصر.
وبتقييم السوق: الرغيف أرخص من الكتاب، والتمثال أغلى من الثوب.
فقيمة الشيء لا تتعلق بقدر الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذا حصَّلناه،فتحصيلنا الرغيف يساوينا بسائر الأحياء، ولكن تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء فحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين فى أمة ممتازة، تحس وتحسن التعبير عن إحساسها. الضرورات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون!
وتتعدد المقولات الموثقة والمؤكدة على قيمة الفنون وكونها سلاح الحرية ، وبعيدا عن الأقوال نأتي للأفعال التي تحمل في طياتها ترجمة حقيقية لكل مايحمله الفن ومبدعوه من قيمة مجتمعية،فما يتركه المبدع من أثر بماقدمت يداه وقدح به فكره ،حتى بعد رحيله،يتلقفه الأوفياء ويحتفون به ويبرزون مشوار عطائه وسيرته ومسيرته كقدوة يحذوها أجيال تتعاقب بعد تتبع خطاه وتكتسب الثقافة المعرفية لنوع الفن الذي نبغ فيه،وتركه إرثا ثقافيا بالغ القيمة،وقد يكون هذا المكون الفني في حاجة إلى استكمال مسيرة من سبق ،لينضاف إليه مايحافظ على وجوده وإنمائه،وليحظى بتحديث مستقى مما يموج به كل عصر من تطور وتقدم بفعل مستحدثات الحضارة والتكنولوجيا وعوامل أخرى كثيرة تخدم كل لون إبداعي في سياقه للنهوض بمقومات وجوده مهما مر الزمان.
ولروادنا من المبدعين دوما في قلوبنا مكان مكين يفضي إلى ضرورة منحهم التكريم الواجب الذي يكلل جهودهم على مدى سنوات العمر الممتدة ،اعترافا بجميل عطاءاتهم،وتشجيعا للغير على الاجتهاد وبذل كل ما بالاستطاعة لبلوغ المكانة الرفيعة التي وصل إليها من سبق بكفاح وكد،فمصرنا المحروسة لاتبخل على أبنائها المخلصين الذين يرتقون بالفنون والثقافة في آن بتوفير الإمكانات وتهيئة المناخات المساعدة قدر المستطاع لخلق بيئة منتجة تضمن لمصر الريادة وتحفظ لها مكانتها.

لقد أثبتت أكاديمية الفنون العريقة التي أشرف بالانتماء إليها والعمل تحت مظلتها سنوات وسنوات حتى اللحظة،أن لروادها مكانة لاتتزحزح سواء في حياتهم أو بعد الرحيل،و برهاني ماقامت به لتكريم الأستاذ الدكتور فوزي فهمي الذي طالما قالوا عنه: إنه يستطيع السيطرة عليك وأنت تقرأ إبداعاته ؛ فتصبح أسيرًا لأسلوبه خلال رحلة القراءة لنص من نصوصه المائزة دومًا ، لمقدرته الشديدة على ضبط إيقاع مايريد إيصاله لنا من مفاهيم ؛ فهو يشرح الحاضر بإسقاطات شديدة الخصوصية ممتزجة بفلسفة الماضي ، ويترك للقاريء الواعي المثقف مهمة تفكيك معادلاته الموضوعية ، والوصول إلى ماوراء الدراما التى ينسجها في وقائع مسرحياته التى كتبها ، وكأنما راوده حلم كتابتها منذ تخرج من المرحلة الثانوية بمدرسة على مبارك بالحلمية الجديدة ، ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية -قسم الدراما- بأكاديمية الفنون.
وقد ساقه حبه للمسرح منذ نعومة أظفاره إلى الحصول على الدكتوراه فيه عام 1975 ليصل باجتهاده وإخلاصه له ليصبح عميدًا لمعهد النقد الفنى بالأكاديمية ثم المعهد العالي للفنون المسرحية مرورا بعمادة بقية المعاهد بها وصولا إلى رئاستها لفترة امتدت نحو ١٥عاما،
استطاع أن يسترد فيها الأفدنة المسلوبة من أرض مملوكة بالكامل للأكاديمية بلغت ١٩فدانا وخاض مصاعب كثيرة لم تردعه عن الإصرار على استرادها،وقد بلغت الأكاديمية أوجها تحت قيادته ومن عشقه لها رسخ فيها قانونا ينص على ألا يتولي رئاستها إلا أحد أبنائها.

وأسوق هنا تشييد تمثال للدكتور فوزي فهمي ووضعه في صدارة مقر الأكاديمية الجديدة ،كمثل ناطق بالوفاء والامتنان والعرفان تجاه هذا الرائد والمفكر والكاتب المسرحي القدير ،وقد تم تشييد عدد من المعاهد والمدارس والمراكز التعليمية فازدانت الأرض الجديدة بتمثاله فخرا واعتزازا بهذا المحارب الذي أفنى السنوات في محاولة لتحقيق حلم التوسع في البناء ،فكان لاختيار مكان التمثال رسالة بالغة الأثر في نفوس العارفين بفضله ودوره في إتاحة الفرص لمن جايلوه وأتوا بعده لاستگمال مشوار لم يتمكن من إتمامه بانقضاء فترة رئاسته حينذاك،لكن بجهود تلامذته وأبنائه ممن تمثلوه قدوة ومثلا!

فقد لمعت فكرة تكريمه بتمثال يخلد ذكراه لرئيس الأكاديمية الأستاذةالدكتورة غادة جبارة التي تدين له بعظيم الفضل كأستاذ لها ومثل أعلى،حيث وصفته ب”البناء_بتشديد النون_ الأعظم”.
وكان بحق عرسا شهدته جنبات الأكاديمية بأن أزاحت وزيرة الثقافة _ابنة الأكاديمية أيضا _الأستاذةالدكتورة نيفين الكيلاني، وسيادة اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة،والدكتورة غادة جبارة ، الستار عن تمثال البناء و الرائد المستنير، بحضور الدكتور هشام جمال والإعلامية القديرة ميرفت سلامة، وعددٍ من نواب البرلمان بمحافظة ‏الجيزة، و عُمداء ‏المعاهد الفنية بالأكاديمية،ولفيف من الأساتذة من هيئات التدريس والموظفين والطلاب والإعلاميين العارفين بجلال الحدث،ابتهاجا واحتفاء بقيمة وقامة ،وزاد الأمر بهاء مزامنة افتتاح مكتبة الأكاديمية المركزية والعامة،حيث خصصت قاعة تحمل اسمه والتي تحوي نحو 18650 كتابامن المكتبة الخاصة ، بالإضافة إلى مقتنياته الشخصية ‏من دروع وصور ‏وغيرها التي قدمها هدية للأكاديمية.
غمرتني سعادة بالغة بتلك الحفاوة التي حظى بها هذا الرائد المائز ممن أعدهم ليحملوا مشعل الاستنارة والفن من بعده فكان درسا في الولاء والانتماء لمن كانوا صنيعة هذا الأستاذ العلامة رحمة الله عليه!
وهاهي قوانا الناعمة تسجل هدفا في مرمى التاريخ على يد أبنائها الأوفياء من داخل صرح صروح الفن في الشرق الأوسط أكاديمية الفنون المصرية.
أما عن الفنان توفيق رجاء منشيء التمثال الرائع بلمساته الفنية الفريدة، فلهذا حديث آخر قادم.

التعليقات مغلقة.