د.هشام عزمي .. وثقافة الملكية الفكرية الغائبة في عالم السيبرانية وفوضاه ــــ بقلم… د.إلهام سيف الدولة حمدان _
سادت الأوساط العلمية والثقافية مؤخرًا حالة من الغبطة باختيار أ.د.هشام عزمي أمين المجلس الأعلى للثقافة رئيسًا متفرغًا بدرجة وزير للجهاز المصري للملكية الفكرية بقرار من السيد رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولي.
يقيني أن الانتظار قد طال لهذا الجهاز الوليد الذي نحتاجه لمحو أميتنا عن طبيعة حقوق الملكية الفكرية؛ فهي بحق ثقافة غائبة عن مجتمعنا، نحتاج إلى رفع الوعي بها بين طوائف الشعب عامة وأصحاب الابتكارات والاختراعات بخاصة، إذن فوجوده يفتح عددًا من التساؤلات بعد وجود إستراتيجية له قامت على وضعها لجنة مختصة، وفي مقدمة هذه التساؤلات: ما دور الجهاز المصري للملكية الفكرية في حماية صور الملكية الفكرية كافة؟!
وجاءت الإجابة لمن تابع ردود أ.د.هشام عزمي المحددة والشارحة في عدد من الاستضافات التليفزيونية لطبيعة هذا الدور المنوط به الجهاز، حيث أكد أن مصر كانت سباقة في الاهتمام بهذا الأمر فهو موضوع قديم حديث بالنسبة لها؛ لحرصها على وضع قوانين حاكمة مرتبطة بالملكية الفكرية منذ بدايات القرن العشرين – الثلاثينات والأربعينيات والخمسينيات- لكن لأول مرة تخطو مصر خطوة مهمة جدًا نحو وضع إستراتيجية وطنية للملكية الفكرية في العام ٢٠٢٣ باستحداث القانون رقم ١٦٣ لسنة 2023 بإنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية.
جاءت الإستراتيجية لعدة أسباب – على حد قوله – كان منها استشعار من الدولة وفي الحقيقة أن موضوع الملكية الفكرية جاء بتوجيه من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل لجنة عن مجلس الوزراء ضمت كل الوزارات المعنية بموضوع الملكية الفكرية، وهي باختصار تنقسم أساسًا إلى شقين أساسيين:
الملكية الصناعية: التي يدخل تحتها: براءة الاختراع.. العلامات التجارية.. الأصناف النباتية.. إلخ.
الملكية الأدبية: التي يدخل تحتها كل المصنفات الفنية والثقافية والسمعية والبصرية.. إلخ
لماذا كان هناك استشعار؟ لأنه يوجد استحقاق دستوري نص عليه الدستور؛ وهذه معلومة لا يعرفها كثير من الناس، أن الدستور نص على أن يكون هناك اهتمام بالملكية الفكرية، وأن يكون هناك جهاز مسئول عن الملكية الفكرية في مصر، حيث إن هناك حاجة ماسة لحماية حقوق كثيرة في المجالات التي سبق ذكرها في مصر؛ لأنه مع الأسف في سنوات كثيرة، بل عقود كانت ثقافة الملكية الفكرية غائبة، سواء تم هذا عن قصد أم غير قصد فهو حادث بالفعل، وهذا يؤدي – مع شديد الأسف – إلى ضياع حقوق كثيرة: على مستوى الأفراد والمؤسسات وحقوق على مستوى الدولة ككل، وأوضح د.عزمي أن هناك بعدًا آخر غاية في الأهمية، حيث إننا نتعامل مع عالم ودول أخرى ومنظمات، كيف ينظر العالم إلى مصر من منظور احترام قوانين الملكية الفكرية؟! هذا سؤال مهم جدًا، وكان لابد أن توجد هذه الإستراتيجية لكي تكون هناك وقفة وأن يكون هناك علامة فارقة بين كل ما فات وبين الوضع الراهن الجديد.
باختصار شديد أكد د. هشام عزمي رئيس الجهاز أن الجهاز المصري للملكية الفكرية سيكون مسئولًا عن كل ما يتعلق بملف الملكية الفكرية في مصر.
والمتابع الآن سيجد أن الملف موزع على أكثر من وزارة تبعاً لطبيعة المجال: هناك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وزارة الثقافة، وزارة الزراعة، وزارة التجارة، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، كل فيما يخصه، فالجهاز الجديد سيضم كل المكاتب التي تتبع هذه الوزارات في الوقت الحالي، وفق خطة زمنية في هذه المرحلة الانتقالية؛ لأننا حريصون على ألا يتوقف العمل في هذه المكاتب.. فستكون هناك خطة واضحة لنقل هذه المكاتب تحت مظلة الجهاز.
لكن.. ماذا عن دور الجهاز المصري للملكية الفكرية في رفع وعي المواطنين؟! بداية فيما يخص الإبداع والابتكار.. كيف سيتعرف الناس على حقوقهم.. فهل للجهاز المصري للملكية الفكرية دور في هذا الأمر؟!
بطبيعة الحال – وبحسب تصريحات رئيس الجهاز – يقينًا سيكون للجهاز المصري دور ليس اختيارًا وإنما تبعًا للإستراتيجية التي تمثل الأساس الذي جاء الجهاز على أساسه، وأن الهدف الإستراتيجي الرابع من أهداف هذه الإستراتيجية هو الوعي، وتوعية المواطنين، هناك تحد كبير أمام الجهاز لتنفيذ فكر وتنفيذ الإستراتيجية كيفية تغيير هذه الثقافة السائدة سابقة الذكر، فكيف يمكن أن نغير ثقافة مجتمعية لتوعية المواطنين وتوعية أصحاب الحقوق، لدينا شرائح مختلفة ستوجه إليها رسائل بمستويات مختلفة، باختصار لدينا تعليم ما قبل الجامعي، طلاب المدارس، وهذا مستهدف مهم جدًا، فإذا أردنا أن ندخل هذه الثقافة فلابد أن نبدأ من الصغر، لأن الأعمار والفئات العمرية الصغيرة يكون لديها بوعي أهمية الملكية الفكرية، وما هي الملكية الفكرية أصلا؟!
وعن الشرائح المجتمعية أدلى د.عزمي بدلوه مقسمًا لها: أنه لدينا شريحة مهمة أخرى شريحة الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، وتضم فئتين أساسيتين: أعضاء هيئة التدريس، وهم أصلا من المنتجين للبحث العلمي وبراءة الاختراع، وأوراق علمية إلخ.
ولدينا الطلاب في الجامعات في الكليات والمعاهد المختلفة.
وتبقى الشريحة التي تمثل النسبة الأكبر، وهي المجتمع ككل، فقد ذكر سيادته أن لدينا رسائل ووسائل مختلفة للتعاطي مع كل شريحة وفئة من هذه الفئات؛ لأن كل فئة تحتاج إلى لغة خطاب مختلفة فطفل المدرسة غير طالب الجامعة، غير عضو هيئة التدريس، غير المواطن العادي الذي نريده، ببساطة ودون تعقيدات أن يعرف ما هي الملكية الفكرية، وكيف يتعاطى مع هذا الملف مستقبلا، لكي نصل إلى المرحلة التي نريد أن نصل إليها لحماية كثير من الحقوق في المجالات المختلفة، وبالتالي كيف يمكن أن نصل بمصر من المنظور العالمي للملكية الفكرية للمرتبة أو المكانة التي تليق بها تاريخيًا في كل المجالات التي ذكرت، وأيضًا مع وضعها في المنطقة.
إن ما يتم من عمليات اختراق في المجالات المختلفة أو القرصنة أو المخالفة أو نسخ غير قانوني تأتي دائمًا من أفراد ليسوا بالضرورة من المتخصصين أو أصحاب الاختراعات، بل على النقيض من ذلك تأتي المخالفات غالبًا من هؤلاء غير المهتمين، فمن المهم جدًا أن نصل إلى هذه الشرائح كتعريف وكتوجيه إلى أنه لن يكون هناك تهاون في موضوع الحقوق في الفترة القادمة؛ لأن ضياع حقوق كثيرة لا يؤثر فقط على صاحب المصلحة صاحب الاختراع، أو صاحب الابتكار، أو صاحب المؤلف إلخ، لكنه يؤثر على دولة، ونحن من ضمن الأهداف الرئيسة لهذه الإستراتيجية كيف يمكن أن تسهم الصناعات الثقافية والإبداعية والاختراعات وبراءة الاختراع.. إلخ في دعم الاقتصاد الوطني.
ما المردود الاقتصادي والاجتماعي باستخدام الملكية الفكرية في تحقيق تنمية؟
بيقينية واضحة أدلف مجيبًا أن هذا هدف إستراتيجي واضح، وهو الهدف الإستراتيجي الثالث للإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، وهو كيف يمكن أن تدعم هذه المنظومة الاقتصاد الوطني؟ أول خطوة هي: الحماية، لو لم تكن هناك حماية فهذا يعني أننا لو أخذنا الأفلام التي تذاع على منصات لها حقوق، فعمليات النسخ وعمليات البث التي تتم عبر منصات غير مرخصة، وعمليات الاختراقات التي تتم ببرامج الحاسب الآلي، وهو موضوع بالنسبة إلينا يحتاج إلى وقفة شديدة جدًا.. المصنفات السمعية والبصرية وحقوق البث؛ لأن هناك قانون يحمي أصحاب الحقوق، كل ماله علاقة بالملكية الفكرية، وهي ببساطة كل ما أنتجته القريحة أو العقل الإنساني، المجتمع الذي نعيش فيه به مجموعة تنتج وتبتكر وتبدع ولها إسهامات في مجالات مختلفة، البحث العلمي في قطاعات الجامعات والمؤسسات البحثية المبتكرين والمبدعين والمثقفين والمفكرين في مجالات الثقافة المختلفة من مسرح وسينما ودراما وكتاب ونشر، في مجالات الSoftware وEngineering.. الهندسة.. لدينا مبرمجون ومطورون للبرامج من حقهم أن يكون لهم حماية، لماذا نقول إن الحماية هي الخطوة الأولى؛ لأنه إذا تم اختراق هذه الحماية أو تمت قرصنة أو نسخ غير قانوني، هكذا نوصل صورة لأي مستثمر يريد أن يدخل السوق المصرية، ويريد أن يكون له إسهام في كل مجالات الإنتاج التي ذكرت.
إن طرح أهم جانب من جوانب هذا الحوار المهم مع د.هشام عزمي رئيس الجهاز المصري للملكية الفكرية من الأهمية بمكان؛ لإزالة الغموض والإبهام حول طبيعة دور هذا الجهاز الذي يبدأ أولى خطواته متضافرًا مع كثير من الوزارات والجهات ذات الصلة في تحقيق أهم أهداف إنشائه.
وجدير بالذكر التأكيد على دور الإعلام الذي يسهم بشكل كبير في زيادة وعي المواطنين؛ ليقف كل على حقوقه وكيفية حمايتها وليتوقف سيل الاستيلاء على حقوق الملكية الفكرية التي نراها ليل نهار عبر كل القنوات والمنصات الإبداعية والفكرية بلا رقيب أو حسيب، ونحن مصر العريقة حامية الحمى دائمًا، فلا أقل من أن تحفظ بواسطة هذا الجهاز المهم جدًا في عالم السيبرانية وفوضاه حقوق الجميع من أصغر طفل لأكبر مواطن، ومن أصغر مؤسسة لأعرق جهة أو منظمة أو قناة؛ ما دام هناك فكر خاص أو مخترع أو ابتكار من أي نوع كان..
شكرًا للدولة المصرية واستشعار رئيسها السيد عبدالفتاح السيسي المرهف تجاه العدل والعدالة؛ بضرورة الحفاظ على عقول مصر وحماية حقوقهم الفكرية من الانتزاع، وحماية استحقاقاتهم وتوثيقها؛ لتحظى دومًا باحترام النفس والعالم..
تحيا مصرنا المحروسة برعاية الله.. وأبنائها الشرفاء.. أعان الله د.عزمي أول رئيس للجهاز على النجاح في مهمة ليست بالهينة، لكن للرجل قدره وقدراته الواسعة وعلمه الغزير وخبراته الثقافية المائزة، ونزاهته المشهود لها من الجميع؛ فهو بحق الرجل المناسب في المكان المناسب.. يتبقى تكاتف كل الجهات لإنجاح وتنفيذ الخطة الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، فيد واحدة لا تصفق كما تعلمون!