لكل أهل مصر

ثلاثة مبدعات تونسبات يخلقن الحدث بتفاعل ايجابي موسع من خلال رؤية فنية متميزة في فيلم فراغ

0 120

تونس ـ الحبيب بن صالح 

في لحظة ما بعد “القهوة”، حين يخفت صخب الصباح ويعود كل فرد إلى مشاغله، يبقى الصمت جاثمًا على زوايا البيت، وتبقى امرأة في مواجهة مع الفراغ… هذا هو الجو الذي ينقلك إليه فيلم “فراغ”، في تجربة سينمائية تونسية عميقة تمزج بين الواقع واللاوعي، وبين الوحدة والأحاسيس المدفونة.

فراغ” ليس مجرّد قصة، بل هو نبش في المسكوت عنه، في تلك اللحظات التي لا يُسلّط عليها الضوء عادة، حين يصبح البيت هادئًا إلى حدّ الوجع، حين يكون الأبناء منشغلين، ويُصبح الفراغ أكبر من مجرد مساحة… يصبح حالة.

كوثر بالحاج، في واحد من أقوى أدوارها، تتقمّص هذه المرأة بكل صدق واحترافية. أداؤها مدهش، مليء بالطبقات النفسية، ينتقل من النظرة التائهة إلى الانهيار الصامت بسلاسة، ويُذكّرنا بأنها ممثلة من طينة نادرة، قادرة على أن تُجسّد الصمت كما تجسّد الانفجار. استطاعت في هذا الدور أن تمسك بخيوط التشتت النفسي دون مبالغة، وأن تُعبّر عن الهشاشة والقوة في آنٍ واحد، مؤكدة أنها من “التراث الرفيع” للفن التونسي.

السيناريو، الذي كتبته وأنتجته **إيمان السويلمي**، هو دعوة للتأمل، يحمل في سطوره تفاصيل أنثوية دقيقة، تفوح منها معرفة عميقة بالنفس البشرية وبالألم اليومي الذي نغلفه عادة بابتسامة أو فنجان قهوة. أما الحوار، فقد جاء بسيطًا لكنه عميق، شفافًا لكنه موجع، يحمل بين كلماته تساؤلات لم تُطرح، وأجوبة لا تُقال.

أما الإخراج، فتوقيع **فدوى المنصوري** أضفى بعدًا بصريًا شديد الحساسية، حيث نجحت في تحويل الفراغ إلى بطل صامت، وخلقت توازنًا دقيقًا بين الصورة والصوت والسكوت، وبين الضوء والظل، مما جعل الفيلم لوحة بصرية مفعمة بالإحساس.

**”فراغ”** ليس فيلما للفرجة العابرة، بل دعوة لمواجهة أنفسنا، لاكتشاف ماذا يحصل عندما تتوقف الحياة عن الجري، ونبقى وحيدين مع صوتنا الداخلي. إنه مرآة ناعمة لكنها قاسية، ترينا ما لا نحب أن نراه… فينا.

فيلم يُشاهد بالقلب قبل العين، ويُفكّر فيه طويلاً بعد انتهاءه. تجربة لا تُفَوّت.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط