هل نغير الواقع أولا أم نغير الأفكار؟ هذا الجدل القديم والجديد له خلفياته التي اشتهرت في تاريخ الفكر الفلسفي بالصراع بين المادية والمثالية لكن الخلاف تجاوز أبراج الفلسفة العاجية إلى الواقع اليومي. في ستينيات القرن الماضي سادت في العالم الثالث نظرية التطور الاقتصادي ، ملخص هذه النظرية أن الخروج من التخلف يمر عبر تحقيق تنمية اقتصادية أشبه بقطار سريع يمر عبر خمس محطات (مراحل) ذات تتابع زمني، تمهد كل مرحلة الطريق أوتوماتيكيا للمرحلة التي تليها وصولا إلى الخروج من المجتمع التقليدي وظهور المجتمع الحديث. (يبدو أنه من هنا جاءت التعبيرات الحكومية حول عجلة التنمية وقطار التنمية ). هذه النظرية كما هو واضح تنطلق من المعادلة المادية التبسيطية “غيروا الواقع وسيتغير الإنسان تلقائيا”. تحولت هذه النظرية إلى إنجيل الأنظمة في دول العالم الثالث، وفعلا دخلت حكومات الدول النامية في مشاريع طموحة لتطوير البنية التحتية. لكن الذي حصل أثار استغراب الجميع. أنشئت المستشفيات لكن ظل الناس يفضلون الطب الشعبي. وأخرجت الجامعات حاملي الشهادات العليا لكن فيهم من ظل متخلفا ثقافيا ورجعيا اجتماعيا. بنت الدولة المدارس لكن قاوم المجتمع إرسال الفتاة للتعليم وفضل إرسال الشباب للعمل المبكر. وتوسعت المدن لكنها كانت مدنا أشبه بالأرياف. ورفعت الدول شعارات المواطنة لكن الانتماءات القبلية والعشائرية والطائفية استمرت تحكم علاقات الناس من خلف الستار. انظروا إلي بعض الدول النفطية الغنية كيف تغير واقعها وتجمد فكرها. وانظروا بتمعن إلى واقع الجاليات العربية والمسلمة في الغرب. فقد تغير واقعها تماما لكن ظلت محتفظة بفكرها المحافظ والقديم حتى انصدمت مع واقعها وانعزلت عنه. تغير الواقع المادي لكن التخلف بقي، وتغيرت البنية التحتية وظلت البنية الفوقية القديمة عصية ومقدسة. كان خطأ نظريات التنمية التقليدية أنها أهملت الإنسان وعادته. فقد اخترعت الأنظمة تناقضا أبديا بين التنمية والحرية، وقررت أن مصادرة حريات الناس شرط لازم لتحقيق التنمية. بعد ذلك حدثت مراجعات جذرية لنظريات التنمية والتحديث حتى وصلنا إلى نظرية التنمية البشرية المستدامة وملخصها المفيد أن عملية التنمية في أساسها هي تنمية للإنسان وتوسيع لخياراته . رأيي الشخصي أن تغيير الواقع وتغيير الإنسان يجب أن يسيرا معا، إلا أن الأولوية هي لتغيير الإنسان وتغيير الأفكار وتزويد الإنسان بالمهارات والحريات اللازمة لتحقيق مستقبله
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
اخر الاخبار
- وراء كل تيكتورز ويوتيوبر مشهور ألف قصة وقصة …
- حملة ضد منصة التيكتوك لاتباعها أسلوب الخصخصة….بقلم .. زيزي ضاهر _أديبة وإعلامية وسفيرة الجمال بلبنان
- شكر وتقدير للدكتورة حنان الغنيمى مديرة معهد الرمد .
- اتحاد العام للقبائل المصرية والعربية يوقع مذكرة تعاون مشترك
- إنجاز طبي مصري مبهر.. فريق جراحة قلب ينقذ 4 حالات حرجة في يوم واحد باستخدام “تقنية القلب النابض”
- الدورة التكوينية الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية لاقت إستحسان كل المشاركين مع تكريم وتألق في حضور نخبة من الفنانين والمبدعين”
- افتتاح معرض ملابس خيري لطلاب جامعة القاهرة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني
- وكيل ” تموين القليوبية ” ورئيس جهاز العبور يبحثان التعاون في ضبط جودة وأسعار السلع الغذائية
- اعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة
- اقتصاد وسياسة القاهرة تختتم فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب السنوي بمشاركة 35 جهة حكومية وخاصة
التعليقات مغلقة.