src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

ديوان”وردة القلب” إطلالة : رأيٌ .. ورؤية !….بقلم د إلهام سيف الدولة حمدان

أستاذ العلوم اللغوية والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق وعضو اتحاد كتاب مصر

321

جميل أن تقوم بالاطلاع على السيرة الذاتية لكاتب روائي أو شاعر؛ لتتلمس بوجدانك ومشاعرك المرهفة؛ مِن أين يقتنص مفردات لغته التي يتعامل بها مع إبداعاته الروائية ، أو الشعرية ، أو ألوان فرشاته لو كان رسامًا؛ حتى نُعطي للتجوال بين سطوره كامل المعرفة بالأجواء التي عاش بينها؛ و وهبتهُ مفرداتها وألوانها المتباينة في لوحات إبداعاته .

وهاأنذا .. بين يدي “ديوان شعر” باللغة العربية الفصحى؛ التي ينتمي إليها بالمولد والإحساس والشعور والتربية السفير الأردني إبراهيم عواودة صاحب ديوان “وردة القلب” احدث دواوينه الثلاثة_والرابع في طور الإعداد_، الذي أتجول بين دفتيه أتلمس بين سطوره مواطن الجمال في مفردات اللغة والصورة واللفظ والدلالة؛ فصاحب الديوان هو “نفسه” السائح الجوَّال في أرجاء المعمورة؛ بحكم عمله الذي يمنحهُ مورده في دروب الحياة؛ فهو “السفير المتجول” الذي يمثل بلاده العربية الأصيلة؛ وهو العائش كالطائر الحُر الذي يبحث عن أغصانٍ رطِبة لينسج بين ثناياها أعشاشه؛ ليأوي بين أفنانها وأوراقها الخضراء حبيبة قلبه السيدة قرينته الجميلة(مريم) التي تشاركه الطيران والتجوال .. والحب !
وكما تعودنا ـ عندما يكون ببين أيدينا منتوجًا إبداعيًا ـ بحثت عن مضمون “الإهداء” في فاتحة الديوان؛ ولكني لم أجد ماأبحث عنه؛ وكأن صاحب الديوان لم يشأ إلا أن تكون القصائد ـ كلَّها ـ هي الإهداء لـ “وردة القلب” ؛ أو لنقل إن ماتنطوي عليه قصائد الديوان المكوَّن من تسعٍ وسبعين قصيدة من عُصارة سُلاف الروح والقلب .. هي “الإهداء” الحقيقي .. وليست سطورًا مقتضبة نفتتح بها هذا الطوفان الشعري الجميل؛ وهو المحتوى الذي يشي بالمحتوى والمضمون لما بين دفتيه؛ فيقول لحبيبته ــ متوجسًا خيفة ــ في افتتاح القصيدة الأولى ،”خوف” :
هَدَّ قلبي الدَّربُ الطويــــلُ إليكِ ** راجيًا هَــــدْأَة المَغيبِ لديكِ
بَعْدَ شَـوكٍ أدمَى خُطايَ وشَوقٍ ** لم يَزَلْ يسْتَفِزُّ خَوْفي عليكِ !

بل إن الشاعر الرقيق الرومانسي ذا القلب المُرهف؛ يُصر أن يضعنا في قلب أحداث حياته؛ فيختتم الديوان بآخر قصيدة ـ وكأنه يصل المُفتتح بالمنتهى دون أن يدري ـ وهي”ليتكِ الآن معي”، فيقول :
ليتكِ الآن معي ؛
أو ليتني الآن مَعَكْ
كي تريحي رأسَكِ المُثقل بالهَمِّ على صدري؛
وتحكي ماتريدين ؛
وتُلقي عنكِ ماقد أوجعِكْ ..
فلدَيَّ الآن إحساسٌ غريبٌ :
أنَّنِي قد جِئت للدنيا ـ فقط ـ كي أسمَعِكْ !
وكأنه يخشى أن يقول ـ في لحظةِ ما ـ كما قال الشاعر “ابن زيدون” لحبيبته الأميرة “ولاَّدة بنت المستكفي بالله” :
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ** وناب عن طيب لُقيانا تجافينا !

فالشاعر برقته لايريد لحبيبته ان تصمُت؛أو تتوقف عن الحب؛ ففي قصيدة “عتاب ” التي مطلعها :
قمَـــــــرٌ تألق في السماء مُهابًا ** يجلُو الهمُوم؛ ويؤنسُ الأحبابَا
يأتي في آخرها ليقول :
صمَتتْ كمثل الليل؛ وهي بليغةٌ ** والصَّمتُ أقسى مايكــــون عتابَا !

وشاعرنا دومًا يؤكد على مصداقيته في الحب الشفاف الجميل؛ ويمسك بتلابيب المتلقي للعرفان الجميل بالحب المتأجج في قلبه وروحه وعقله؛ ففي قصيدة “توبة” يقول :
أتُوب عن الذَّنْبِ ؛ لكنَّني ** عن الحُبِّ ـ حُبُّكِ ـ لستُ أتُوب
واكتُم شوقي حينًا وحينًا ** وفي واقـع الأمـر؛ قلبي يذوبُ

ماأروع تلك الاعترافات للمحبوب؛ والتي تأتي بلا خجلٍ أو تعالٍ من الشاعر على محبوبته! وأنا، وإن كنت قد تناولت أبيات الديوان ـ بلا تسلسل ـ فذهبت إلى آخر قصائد الديوان؛ لالشيء .. إلا لأثبت أن شاعرنا شوقه متصل لايهدأ حتى آخر انفاس كلمات الديوان .

ولعلي ـ بلا مجاملة ـ أستطيع بذائقتي الشعرية وإيماني بأن الحُب هو الحب في كل زمانٍ ومكان ــ أن أضم هذا العاشق لـ ” وردة القلب”؛ إلى مشاهير العشاق في تاريخنا وتاريخ أشعار لغتنا العربية العصماء؛ فيقف جنبًا إلى جنب مع “قيس بن الملوَّح” ومعشوقته “ليلى العامرية”؛ و “جميل بثينة” اشهر عشاق الحُب العذري؛ و “عنترة وعبلة”؛ و “قيس برن ذريح/مجنون لبنى”؛ بل أضعه في زمرة الشاعر “ابن زيدون” ـ الذي دفع ثمن حبه ـ وعشقه الولهان بالأميرة “ولاَّدة بنت المستكفي بالله”؛ وقصائده التي حفرت اخدودًا عميقًا في مجرى نهر الأدب الأندلسي !

إن عواودة يصبو لأن يلتحق بهؤلاء العشاق الذين يسعدون بحبهم المتصل الموصول بكل المشاعر الجياشة؛ تلك المشاعر التي تُعشش في ثنايا وخلايا القلب والروح والوجدان .

وأجده وسط هذا السيل الرقراق من الحُب لحبيبته “وردة القلب”؛ لاينسى وطنه الذي نشأ من ترابه وعلى ترابه؛ فيتغنَّى بحب “الأردن/الوطن”بكل مالدى قريحته من حبٍ لايفنى ولا ينتهي؛ بل إنه لاينسى قضية العرب الكبرى في محنة المسجد الأٌقصى؛ ففي”الأردن” ،يقول :

وطـــــــــنٌ نَمَا بالحُبِّ والإيمانِ ** وَرَبــَا وأوْرَقَ في رُبى عَمّــــَانِ
القلبُ زهْــرةٌ؛ والجبين غمامَةٌ ** من وردة البتــــراءِ؛ من شِيحَانِ
والزندُ سيفٌ؛والضلـوع سنابلٌ ** من شوكة الصحراء من حورانِ
فيه المَـوَدَّة للعروبةِ صَرفَـــــه ** من ماء مغربِهَا لمــــــاء عُمــانِ
ولراية الإسلام خفق جناحِــــه ** وخفُوقُــه آيٌ من القـــــــــــــرآنِ
تُعلي مآذِنُه البهيَّة وجْــدَهَـــــا ** للمســــجدِ الأٌقصــــَى بكُــلٍ أذانِ !
فكـأنَّــهُ في الصبر طودٌ راسخٌ ** وكأنَّـهُ عند العَطَــــــاء .. يَـــدانِ !

هذا هو قلب الشاعر الموزَّع بين شخصه وحبيبته و .. وطنه! فالمعادل الموضوعي للحبيبة دائمًا .. هو الوطن؛ فالحبيبة/وطن؛ والوطن/الحبيبة !
وهذا هو الشعر الصادق الحقيقي المختلط بالعرق والدموع والدم؛ ونبض القلب الذي لايهدأ .. إلا بانتهاء الحياة .
بعد تطوافة وإطلالة داخل ديوان” ورده القلب” بعدما سعدت بالاستماع إلى صاحب الكلمات الرقراقة بإلقائه قطوف من قصائده على مسامع الحضور ذات أمسية ،كان الانفعال الطازج بالأداء الرائق والمؤثر له،دافعي وراء الحصول على الديوان ولو على سبيل الاستعارة من الأم الروحية لي الكاتبة الصحفية والنائبة البرلمانية مناضلتنا فريدة الشوباشي ،وخيرا فعلت؛ لتستئنف ذائقتي ماكان له وقع في القلب من استحسان لري فضولي المعرفي للإحاطة بجنبات الديوان وكتابة إضاءات متفرقة بحسب ما يتوافر لي من مساحة للمقال،لعلي أكون قد نجحت فيها بين معاني بعض قصائد الديوان ،والإشارة إلى المعايير والمعاني العريضة التي استند إليها ، وعليها ،دون التطرق إلى الشكل الشعري : شعر عمودي أو قصائد شعر حر ، مايسمى بشعر التفعيلة، واقتصر الحديث عن المضمون لا الشكل !
ولا يسعني إلا توجيه التحية والتهنئة لصاحب الديوان الشاعر السفير الأردني إبراهيم عواودة على هذا الزاد الشعري ذي الجهد المشكور ،فما أجملها من هواية تصل به إلى مكانة محمودة بين الشعراء المحترفين!

التعليقات مغلقة.