src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

فنون الطفل المصري __ د.إلهام سيف الدولة حمدان

أستاذ العلوم اللغوية والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق وعضو اتحاد كتاب مصر

772

سُئل العقاد مرة: هل الفنون الجميلة من ضرورات الحياة، أم هي كماليات تأتي بعد لقمة العيش؟

فأجاب: بوسعنا العيش دون ملكة النظر سبعين عامًا دون أن نهلك، ولا نقدر أن نعيش سبعين يومًا دون الرغيف، ولم يقل أحد لهذا إن الرغيف أهم من البصر.

وبتقييم السوق: الرغيف أرخص من الكتاب، والتمثال أغلى من الثوب.

فقيمة الشيء لا تتعلق بقدر الحاجة إليه، بل بقدر ما نصبح عليه إذا حصَّلناه.

فتحصيلنا الرغيف يساوينا بسائر الأحياء، ولكن تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء وحسب، بل يجعلنا بشرًا ممتازين فى أمة ممتازة، تحس وتحسن التعبير عن إحساسها.

الضرورات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، ….فهو الفنون.

فما بالنا بالفنون المقدمة للطفل ومدى أهميتها لنرتفع به إلى أعلى المراتب الإنسانية ؛وهذا مادفعني لمراجعة ماكتبته يوما عن قيمة الفن في تنشئة الطفل حتى الجنين في بطن أمه:

“سمعناهم يقولون إنه في الدول التي تحترم آدمية الإنسان من المهد إلى اللحد،أنهم يسمعون “الجنين” في بطن أمه نغمات الموسيقا؛ لتصنع ــ إلى جانب النغمات الربَّانية لخفقات قلب الأم ــ عالمًا رائعًا من الجمال؛ قبل أن يخرج إلى فضاءات الحياة الرحبة، ويتم هذا عن طريق جلسات استماع جماعية للأمهات “الحوامل” منذ الشهور الأربعة الأولى في المراكز الطبية ومستشفيات التوليد المتخصصة .

 

وهذا بالتأكيد لايأتي اعتباطًا لمجرد مضيعة الوقت والجهد والمال؛ أو للترفيه عن “الأم” خلال شهور المعاناة من آلام الحمل؛ ولكنه يأتي إيمانًا من القائمين على هذا الأمر بأن للفن دورًا مهمًا في تشكيل وتربية الوجدان، وإدراكًا لمدى حساسية الإنسان في سرعة الاستجابة إلى المؤثرات الجمالية من حوله، وبخاصة عند الأجنَّة والأطفال حديثي الولادة، حيث تكون خلايا الذاكرة وكأنها صفحة الحياة البيضاء النقية التي لم يمسسها قلم .

 

ولكننا في دول العالم الثالث ـ ومصر بالتحديد ـ لايمتد بنا الطموح أو العشم في القائمين على ثقافة الطفل؛ إلى هذا المستوى الرفيع من الاهتمام بعالم الأجنَّة والطفولة، وهم رجال الغد الذين سيؤول إليهم زمام ومقاليد الأمور،ونساء الغد من أمهات يعددن أجيالا تحمل مشاعل المستقبل، كل مانتمناه أن نرى على صعيد الواقع مبادرة قومية تتبناها الدولة بإنشاء “وزارة الطفولة”؛ لاتكون قاصرة على مراكز الرعاية الصحية وقيد المواليد فقطـ مع احترامنا الشديد للمجلس القومي للأمومة والطفولة الذي نرى أن دوره ليس كافياً في هذا المجال ـ بل تكون وزارة مستقلة أسوة بما هو قائم الآن لـ “وزارة الشباب والرياضة “، لتكون حلقات السلسلة العمرية متوالية متسقة مع ماهو مطلوب للأجيال الصاعدة من سلامة الصحة النفسية والفنية، وإيجاد فنون تعمل على إحياء التشكيل الغائب لوجدان الإنسان المصري منذ لحظة ميلاده .

 

ويمتد بنا الطموح إلى أن تتولى هذه الوزارة ـ بالتعاون مع وزارة الثقافة ـ إنشاء ورش التعليم الفني والمسرحي والرسم والنحت والأدب في كل البنادر والقرى والنجوع، أسوة بما حدث في قصور الثقافة في حقبة الستينيات من القرن الماضي، تلك القصور التي خرج منها عمالقة الأدب والفنون؛ الموجودون على الساحة في مصر الآن، وسنَّة وطبيعة الحياة هي الإحلال والتجديد في العناصر البشرية، فهل سيتولى الزمام في الغد القريب من تربوا على مايقدَّم لهم الآن من ثقافة العنف والتطرف السياسي والعقائدي وترسيخ وإعلاء القيم المادية والاستهلاكية على حساب الفن الرفيع والأخلاق السامية ؟

 

لقد حظي جيلنا بالاطلاع المبكرعلى قصص وروايات بقلم رائد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي/كامل كيلاني؛ الذي قدم للمكتبة العربية الكثيرمن الروائع التي قامت بتعميق الثقافة المعرفية والأخلاقية عند الأجيال، ناهيك عن التراث العظيم في أدب الأطفال الذي تركه أمير الشعراء “احمد شوقي” حيث كان للأطفال نصيب من اهتماماته في ديوانه وقصصه التي انطوت على الحكمة والنصح والإرشاد للطفل؛ ولعل من أشهرها ما حذر فيها من المكر والخداع برمزية؛ إذ يقول :

برز الثعلبُ يوما / في شعار الواعِظينا/فمشى في الأرضِ يهذي / ويسبُّ الماكرينا

 

ويقولُ : الحمدُ للــهِ إلهِ العالمينا /يا عِباد الله، تُوبُوا /فهْوَ كهفُ التائبينا/

وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـعيشَ عيشُ الزاهدينا/واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاة ِ الصُّبحِ فينا/فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا/عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا/

فأجاب الديك : عذرً ايا أضلَّ المهتدينا/بلِّغ الثعلبَ عني عن جدودي الصالحينا/

عن ذوي التِّيجان ممن دَخل البَطْنَ اللعِينا/أَنهم قالوا وخيرُ الـ * ـقولِ قولُ العارفينا

مخطئ من ظنّ يوما * أَنّ للثعلبِ دِينا !!

 

ونرى الآن أن الكتابة للطفل تأتي من عددٍ محدود جدًا من الأدباء الذين يحتاجون إلى الانتشار والتشجيع؛ وليس لديهم التمويل الكافي لاستمرار الكتابة في هذا المجال، بالإضافة إلى تراجع او اختفاء إصدارات مجلات الأطفال التي كانت تملأ الساحة المصرية والعربية ابتداء من مجلة “سندباد” ومجلة “سمير” وغيرها بدعم مستمر من الدولة وفناني هذا الزمان الجميل .

 

إننا لانطالب بوزارة متخصصة للطفولة من قبيل “الفانتازيا” أو مجرد المحاكاة للدول الأوروبية، ولكننا نريد تصحيح بعض الأوضاع التي انفلت زمامها في “هوجة” الانفتاح على ثقافات العولمة بلا انتقاءات أو “غربلة” لنأخذ الصالح منها لمجتمعاتنا الشرقية للحفاظ على شفافية ونقاء الهوية المصرية الخالصة من شوائب مايصدره إلينا الغرب من أفكار لاتتفق وسلوكياتنا وأعرافنا التي تربينا عليها منذ أجدادنا الفراعنة، ويجب أن نذكر لمن يهمه أمر الطفولة والشباب في مصرنا الغالية؛ أن التربية المثالية والأخلاقية منذ الطفولة أنجبت الملك الشاب “أحمس” الذي قاد الجيوش المصرية وانتصر على جحافل الهكسوس؛ وكان عمره ـ آنذاك ـ تسعة عشرعامًا؛ واستطاع الانتصار باستخدامه أحدث الأسلحة والعجلات الحربية والبارود، ولم تظهر دولة الهكسوس مرة أخرى على خريطة العالم .

 

إن تشكيل الوجدان والإحساس الجمعي وغرس القيم الأخلاقية الرفيعة؛ يجب أن يبدأ منذ لحظة الميلاد، وبهذا نكون قد قمنا بأداء الرسالة وقمنا بتسليم الأمانة إلى الأجيال التي تأتي بعدنا، ليتحدثوا عنّا بكل الفخر لأنا لم نقم بالتقصير في حقوقهم وأدينا واجبنا على أحسن مايكون .

 

إنها مصر الغنية بالرواد في مجالات الحياة كافة؛ فهل تبخلون على النشء بالمزيد من الاهتمام والرعاية بالفنون والآداب؛ و ” وزارة” ترعي شئونهم ومستقبلهم ؟”.

أتمنى بعد هذا المشوار التذكيري بأهمية العناية بطفلنا المصري وإحاطته بكل مايلزم من رعاية وجدانية وأخلاقية أن يلقى مقترحي _الذي لن أمل من تكراره والتأكيد عليه_ صدى في أروقة صناع القرار في مصرنا المحروسة فمانسعى إليه دوما هو توفير صمام الأمان لأبنائنا عماد المستقبل.

التعليقات مغلقة.