src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

قولوا لعين الشمس ماتحماشي…ـــ بقلم .. د.إلهـــام سيـــف الدولـــة حمـــدان 

رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق وأستاذ العلوم اللغوية والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر

1٬089

قال لـ ” عين الشمس ماتحماشي “؛ لأنه يخشى “صهد الشتا”؛ لانه عانى من “كلمة حب وشابت.. شابت م الصهد/ صهد.. وناس.. حراس.. اسمك.. ما اسمكش.. معرفش؟/ وتغيم الدنيا ف رمش../ وف نظره../ تتكوِّم أحلامي ف حزمة قش/ تفضل تحلم بالصبح/ والجرح منوَّر/ وبينعس بين الأحضان/

على سدر الناس ..”

 

ولكنه حمل حقائبه ورحل مع بزوغ شمس 7 فبراير من عامنا هذا 2024؛ إنه الشاعر والفنان التشكيلي مجدي نجيب الذي جاء إلى الحياة بالقاهرة في 39 مايو 1936؛ فهو ينتمي ـ بحسب تصنيف النقاد والأدباء ـ إلى جيل الستينيات في مصر؛ وقد بدأ تجربته الممتدة والمتنوعة في حقل الشعر الغنائي منذ دخوله المعتقل السياسي ــ نتيجة الحماس الشبابي والاندفاع الثوري في ذاك الوقت ــ في أواخر الخمسمينيات من القرن الماضي؛ ولكنها كانت تجربة مفيدة أصقلت مواهبة في فن الشعر والفن التشكيلي؛ فقام بالعمل في الصحافة والرسم لمجلات الأطفال؛ فأطلقوا عليه لقب ” طائر الألوان” لرسومه الجميلة للأطفال؛ ولكن شعره كان شديد القتامة بعكس تجاربه في الرسم؛ وظهر هذا التباين في ديوانه الأول بعنوان “صهد الشتا” الذي بدأت حديثي معكم بسطورٍ قصيرة منه والذي صدر عام 1964؛ وبهذا الديوان استطاع ان يسجل اسمه في قائمة الشعراء المؤسسين لحركة شعر العامية في مصر !

 

 

ويقول الشاعر والفنان التشكيلي مجدي نجيب ـ بتصرف ـ عن ذكريات حياته والمعاناة بعد فترة الاعتقال السياسي : “عملت محررا صحفيا بالقطعة فكتبت “بريد القراء” في مجلة صباح الخير، وكان رئيس التحرير أحمد بهاء الدين في روزاليوسف وفي دار الهلال، فشجعني على رسم كاريكاتير، بعنوان “روميو وجوليت”؛ وساعدني كثيرا .. ونصحني بالعمل في الكواكب مع رجاء النقاش؛ وأحد المحررين اصطحبني إلى جنينة معهد الموسيقى في رمسيس؛ فوجدت عالمًا مختلفُا، من المؤلفين والملحنين في مجموعات في الجنينة، وكان بليغ حمدي موجودا وعرفني عبدالنور عليه، ولحن الأغنية وبعد ذلك قابلنا شادية في معهد الموسيقى، وغنت شادية “قولوا لعين الشمس”، وحصلت على 5 جنيهات من الإذاعة مقابل الأغنية باعتبارها أول تجربة لي .

ونذكر أن للشاعر عدة دواوين شعرية يمتاز فيها باللغة الشعرية مرهفة الحس والمشاعر منها : صهد الشتا 1964/ليالي الزمن المنسي 1974/

مقاطع من أغنية الرّصاص 1976/ممكن 1996/ الوصايا 1997

 

وكان سعيد الحظ بعد أن نال جائزة “فؤاد حداد” من اتحاد كتاب مصر؛ وأجاب في حديث صحفي عن استقباله لتلك الجائزة :

” كل جائزة لها مسمى، وهذه الجائزة تحمل اسم فؤاد حداد؛ وهذا شيء جميل؛ لأن فؤاد حداد شاعر يختلف عن كل شعراء العامية؛ ولا يمكن مقارنته بأحد آخر من السابقين له ولا من جاءوا بعده؛ فهو لا يعرف المناورة ولا يسعى لعمل دعاية لنفسه؛ فشاعر الشعب بيرم التونسي شاعر كبير لكنه دارج؛ وصلاح جاهين متعدد المواهب؛ أما فؤاد حداد يكتب الشعر فقط، وعند قراءة دواوينه نجد شيئا مذهلًا ” !

وحين سئل عن تجربة المعتقل السياسي في الخمسينيات

قال ” قضيت نحو ثلاث سنوات في المعتقل السياسي، وقت عبدالناصر، حيث ألقي القبض على الشيوعيين، وقبلهم الإخوان، وأنا كان لي معارف من أصحاب الفكر الشيوعي، ولم نكن لنا ممارسات سوى الكلام .. ولم نشترك في أية أنشطة ضد مصرنا المحروسة ” .

 

 

 

ذلك هو جيل العمالقة الذين يدينون بالحب والولاء لوطنهم ولرواد مجالاتهم الشعرية والفنية؛ بلا حقدٍ ولا ضغينة .. ولا نفسنة؛ مما نراه في بعض المتشاعرين ممن يختالون ببعض أشعارهم الهزيلة؛ الأشعار المبتذلة التي لاتساوي “خردلة ” في أسواق كلمات الأغاني التي عاشت صامدة بكل الجمال والإجلال مع الزمن؛ ورددتها الأجيال من الشباب وكبار السن؛ ومنحت لها الخلود في دنيا الفن والموسيقا .

وكانت بداية الشاعر/مجدي نجيب في الشعر الغنائي؛ بأغنية” قولُوا لعين الشمس” التى غنتها المطربة الرائعة/شادية ولحنها الموسيقار بليغ حمدى؛ عند ظهورها أثارت جدلاً كبيرًا؛ برغم كونها أغنية عاطفية؛ ولكنها كانت تحمل إسقاطات سياسية في ذهن المصريين؛ باعتبارها أغنية تغنى بها المصريون عندما أصدرت السلطات الإنجليزية المحتلة ـ وقتذاك ـ قرارًا بنفي الزعيم /سعد زغلول خارج مصر؛ فخرجت الكلمات عفوية من فم المصريين : “قولوا لعين الشمس ماتحماشي .. أحسن غزال البر صابح ماشي” .. إشارة إلى رحيل سعد زغلول باشا إلى المنفى !

وفتحت الإذاعة المصرية أبوابها للشاعر القادم بمعانيه المصرية الصميمة؛ لإيمان المسئولين أن أهم ما يميز شعره أن عاميته فى دواوينه وأشعاره الغنائية كان لها معجمها القاهرى ونبرتها المتحضرة التى استوعبت عاميات الصعيد والسواحل والبادية والريف فاستخلص منها أجمل ما فيها من مفردات وتراكيب وصور.

وكان نتيجة لهذا التفرد في اللغة الشاعرية والغنائية؛ أن تلقف أشعاره ــ بتصرف ــ جيلان من عمالقة الغناء : عبد الحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد وعفاف راضى ومحرم فؤاد وصباح ومحمد حمام ومحمد منير وسميرة سعيد ومحمد ثروت ومدحت صالح وهانى شاكر وعماد عبد الحليم.؛ وحُمِّلت كلماته على موسيقا وألحان كبار الملحنين المصريين مثل بليغ حمدى ومحمد سلطان ومحمد الموجى وكمال الطويل ومنير مراد ومحمود الشريف واحمد منيب ووجيه عزيز وغيرهم .

ولم يقتصر هذا الفنان الشامل على الشعر والرسم ؛ ولكن كانت له إصدارات أخرى نثرية مثل “أهل المغنى” عام 1973 وهو كتاب نقدى فى الموسيقا والغناء؛ “الحب ، الحياة والموت فى حياة الفنان الشعبى” عام 1999 ، و”صندوق الموسيقا.. زمن الفن الجميل” عام 2001 ، وله رواية واحدة هي “ولد وأربع بنات” !

 

 

تلك هي مقتطفات سريعة عن حياة الشاعر الذي ترك دنيانا ذات صباح من شهر فبراير؛ ليترك خلفه تراثًا غاليًا من أغنيات الزمن الجميل؛ فالسلام لروحه في عليين؛ ولتذهب روحه إلى جنة النعيم؛ ونحن نكتب هذا الرثاء والنعي في مطلع شهر شعبان ؛ وهو من الشهور المحببة إلى الله ولعباده المخلصين .

 

وفي وداعه غنَّى شعب مصر : ” قولوا لعين الشمس ماتحماشي” ! فلترقد روحه في سلام!

 

التعليقات مغلقة.