src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

ابراهيم طه يكتب ….جمال حمدان.. رحل الجسد والفكر خالد…

568

 

من ريف مصر، تحديدا في قرية ناي، التابعة لمحافظة القليوبية حيث تنسج خيوط الشمس لحنًا ذهبيًا على بساط الأرض انبثقت عبقرية علمية جغرافية، رسخت اسمها في ذاكرة الوطن العربي كرمز للعلم والوطنية، إنه جمال محمود صالح حمدان، الشهير بـ «جمال حمدان»، المولود عام 1928.

 

شخصه الكريم نشأ في بيئة ريفية بسيطة، وتفتحت عيناه على لوحة فنية إبداعية من صنع الطبيعة، وهو أمر جعل شغفه يزيد لاكتشاف أسرارها.. حيث كانت شمس الصباح تُشعلُ في قلبه شغفًا لا ينطفئ، وظلالُ الأشجارِ تُلهمُهُ للبحثِ عن أسرارِ الكونِ.. لذا درس الجغرافيا في جامعة القاهرة، ثم واصل رحلتهُ المعرفيةَ في بريطانيا، حتى نال شهادة الدكتوراه في الجغرافيا البشرية، وعاد إلى مصر ليُصبح أستاذًا ملهمًا، وكاتبًا مُبدعًا، ورمزًا للعلم والوطنية.

 

هذا الفارس النبيل رحل بطريقة غامضة لا يعلم تفاصيلها إلا الله، داخل شقته بالمنزل رقم 25 شارع أمين الرافعي – حي الدقي – بمحافظة الجيزة يوم 17 إبريل عام 1993، تاركًا إرثًا علميًا وفكريًا غنيًا يُلهم الأجيال.. ولما لا؟!

 

فهو يعد رائد الجغرافيا المصرية، الذي نهل من ينابيع العلم والمعرفة، ليُقدم للعالم العربي إرثًا علميًا ضخمًا، أثرى المكتبة العربية بنتاج فكري متميز وسيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.. واسمحوا لي أن نُبحر في رحلة عبر الزمن، نُلامس فيها حياة هذا العالم الجليل، ونستكشف محطات إبداعه العلمي، ونغوص في أفكاره الوطنية.

 

صدقا، منذ عام 2020 أعيش داخل صفحات كتبه، واتنقل بمحبة واهتمام من كتاب إلى آخر، والسبب كان حين قدمته الهيئة العامة المصرية للكتاب، كشخصية معرض القاهرة الدولي الكتاب في دورته الـ 51 في ذلك العام.

 

سماء المعرفة

يا الله.. دخلت بشغف دنيا جمال حمدان، كأنني أُغوص في بحر من المعرفة لا شاطئ له، كل كتاب من كتبه كان رحلة استكشافية، تُبحر بي عبر الزمن والمكان، وتُعرّفني على أسرار مصر وسحرها، كانت كلماته تُلامس روحي، وتُلهب مشاعري، وتُشعل خيالي.. شعرتُ كأنني أُحلق في سماء المعرفة، وأُلامس نجوم العلم، هذا الشغف يُحركني حتى اللحظة، ينبض في قلبي، ويُضيء دربي، ويُلهمني في كل خطوة أخطوها، فجمال حمدان ليس مجرد عالم، بل هو رمزٌ للعلم والوطنية، ومُلهم للأجيال.

 

تُعدّ إسهاماته العلمية علامة فارقة في مجال الجغرافيا البشرية. عمل أستاذًا للجغرافيا في جامعة القاهرة، وأسس مدرسة جديدة في الجغرافيا تعتمد على تحليل العلاقة بين الإنسان والبيئة. وقدم العديد من الدراسات والأبحاث القيمة، خاصةً في دراسة مصر والسودان، نال جمال حمدان العديد من الجوائز العلمية، منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1986.

 

الاستعمار والصهيونية

ألف أكثر من 29 كتابًا و79 بحثًا ومقالة، وأسس مدرسة جديدة في الجغرافيا، تعتمد على تحليل العلاقة بين الإنسان والبيئة، وأدخل مصطلحات جديدة في الجغرافيا العربية، مثل «الفضاء العربي» و«الشرق الأوسط الكبير»، ودافع عن القضايا العربية، وفضح الاستعمار والصهيونية.

 

كان جمال حمدان مفكرًا وطنيًا وعربيًا، ومثقفًا موسوعيًا، وأستاذًا ملهمًا، تُرجمت كتبه إلى العديد من اللغات، وأصبحت مرجعًا أساسيًا للباحثين في الجغرافيا العربية.. من أهم أفكاره، أن الوطن العربي وحدة واحدة، ومن ضرورة التعاون بين الدول العربية، وأهتم بالموقع الجغرافي لمصر، ودورها التاريخي والحضاري، وحذر من خطورة الاستعمار والصهيونية على العالم العربي.

 

إنجازاته العلمية:

عمل أستاذًا للجغرافيا في جامعة القاهرة، وقدم إسهامات علمية بارزة في مجال الجغرافيا البشرية، خاصةً في دراسة مصر والسودان، وألف العديد من الكتب، أشهرها «شخصية مصر» الذي يُعدّ موسوعة جغرافية تاريخية شاملة عن مصر، ونال العديد من الجوائز العلمية، منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1986.

 

مواقفه الوطنية

كان جمال حمدان رمزًا للوطنية العربية، حيث تميز بمواقفه المناهضة للاستعمار والصهيونية. ودافع عن القضية العربية بكل ما أوتي من قوة، من خلال كتاباته ومشاركته في المؤتمرات.. وكان من أوائل الذين حذّروا من مخاطر المشروع الصهيوني على المنطقة العربية، داعيًا إلى الوحدة العربية لمواجهة هذا الخطر.

 

أهم مؤلفاته

أثْرى جمال حمدان المكتبة العربية بمنتوج فكري غني، تجلى في العديد من الكتب التي تُعدّ مراجع أساسية في مجال الجغرافيا والعلوم الاجتماعية. ومن أهم مؤلفاته: «شخصية مصر» كما ذكرنا الذي يُعدّ موسوعة جغرافية تاريخية شاملة عن مصر، و«بترول العرب» الذي يُحلّل أهمية النفط العربي ودوره في الصراع الدولي، و«قناة السويس نبض مصر» الذي يُبرز أهمية القناة الاستراتيجية لمصر والعالم، و«العالم الإسلامي المعاصر» الذي يُقدم دراسة شاملة للعالم الإسلامي، و«6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية» الذي يُحلّل حرب أكتوبر المجيدة من منظور استراتيجي، و«سيناء» الذي يُقدم دراسة جغرافية تاريخية لشبه جزيرة سيناء، و«فلسطين أولا… إسرائيل» الذي يُدافع عن القضية الفلسطينية، و«المدينة العربية» الذي يُناقش مشكلات المدينة العربية وتطوّرها، و«نحن.. وأبعادنا الأربعة» الذي يُقدم رؤية مستقبلية للعالم العربي.

 

يا سادة.. رحل «جمال حمدان» جسديًا، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا من العلم والمعرفة، وروحًا وطنية خالدة تُلهم الأجيال. لقد كان رمزًا للعلم والوطنية، ومثقفًا موسوعيًا، وأستاذًا ملهمًا، وكاتبًا مُبدعًا. ستظل أفكاره حيةً في ذاكرة الأجيال، وداعمًا لمسيرة العلم في العالم العربي.

 

ومن الواجب التأكيد أن «جمال حمدان» لم يكن جغرافيًا عاديًا، بل كان أشبه بقبطان سفينة الوعي، عبر أمواج العلم العاتية، وينقب في طيات التاريخ، ليُنير لنا دروب الفهم ببوصلة أفكاره الجريئة، فبين سطور كتبه، لم يحول علم الجغرافيا إلى مجرد رحلة ممتعة فحسب، بل إلى ملحمة معرفية ممتعة، نبحر معه عبر تضاريس الأرض، ونحلق عاليًا في فضاء الأفكار، ونغوص في أعماق التاريخ، ولم يكتفِ بوصف الأماكن والمواقع، بل ربط بين خيوط الجغرافيا والتاريخ والثقافة والسياسة بطريقة تحليلية مبدعة.

 

بعد استمتاعي العميق بكنوز عالمنا الجليل لزاما الاعتراف أن رغم غيابه مازال شخصه وإرثه العلمي بوصلة المعرفة، وفارسًا على صهوة الكلمات يُنير لنا عتمة الجهل ويُلهمنا الوعي، ففي كلّ صفحة من كتبه نجد رحلةً جديدة ونظرةً ثاقبة وفهمًا أعمق لكيفية تأثير الجغرافيا على حياة الإنسان، وهو لم يكن مجرد جغرافي، بل كان مفكرًا ومُلهمًا، حوّل علم الجغرافيا إلى مغامرة رائعة، ونحن مدينون له على إنجازه وعطائه المميز في سبيل العلم وخدمة الإنسانية.

 

صدقا.. هدفي، إحياء أفكار جمال حمدان ونشرها بين الأجيال الجديدة، واستلهام إبداعه العلمي ودوره في خدمة العلم والوطنية، وتكريم رمز من رموز العلم والوطنية العربية، ولإحياء أفكار رائد الجغرافيا العربية اقترح ما يلي:

إعادة نشر إرث جمال حمدان الفكري من دراسات وكتب بطبعة جديدة مع مقدمة وتعليقات من أكاديميين مختصين، وترجمة كتبه إلى لغات أخرى، مثل الإنجليزية والفرنسية، لنشر أفكاره على نطاق أوسع، فضلا عن نشر أفكاره بين الأجيال الجديدة من خلال تنظيم مؤتمرات وندوات علمية لمناقشة أفكاره وتأثيرها على الجغرافيا العربية.

 

ويهمني إنشاء موقع إلكتروني مخصص له يتضمن سيرته الذاتية وكتبه ومقالاته وبحوثه، وأيضا إنتاج أفلام وثائقية عن حياته وإنجازاته، وإدراج أفكاره في المناهج الدراسية في المدارس الجامعات العربية.. وعلينا استلهام إبداعه العلمي وتشجيع الأجيال الجديدة على قراءة كتبه والبحث في أفكاره وتنظيم مسابقات علمية باسمه للطلاب في مجال الجغرافيا، ودعم الدراسات والبحوث التي تتناول إرثه العلمي فضلا عن إطلاق اسمه – تخليدا له وتمجيدا لمشواره العلمي النادر – على أحد الشوارع أو المؤسسات التعليمية، وإقامة تمثال له في أحد الميادين العامة، وكذلك إصدار طابع بريدي يحمل صورته.. الخلاصة: أتمنى تكريمه بما يليق بمواقفه الوطنية ومسيرته مع العلم والمعرفة.. فهل من مجيب؟!

التعليقات مغلقة.