src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-9531795408881375" crossorigin="anonymous">
Take a fresh look at your lifestyle.

إبراهيم طه.. يكتب: أمي.. وحكايةُ شتلةِ الأملِ

1٬695

 

عَلى أطرافِ قريةٍ نائيةٍ، تَنبتُ شتلةٌ وحيدةٌ، عانقتْ بِجذورِها الصخرَ القاسي، ورفعتْ رأسَها نحوَ الشمسِ الدافئةِ. كانتْ شتلةً صغيرةً، هَزيلةَ الأوراقِ، ضعيفةَ الساقِ، لكنّها كانتْ تَحملُ في داخلِها روحًا قويةً، وقلبًا مُفعَمًا بالأملِ.

الأمطارِ الغزيرةِ
في كلِّ صباحٍ، كانتْ تَستيقظُ الشتلةُ على نداءِ العصافيرِ، وتَستنشقُ هواءَ الفجرِ العليلَ. كانتْ تَنظرُ إلى السماءِ الزرقاءِ، وتَحلمُ بيومٍ تُصبحُ فيه شجرةً كبيرةً، تُظلِّلُ الناسَ من حرِّ الشمسِ، وتُقدمُ لهمْ ثمارًا طيبةً.

كانَتْ الشتلةُ تُواجهُ صعوباتٍ كثيرةً في حياتِها. كانتْ تَتعرضُ للعواصفِ القويةِ، والأمطارِ الغزيرةِ، والجفافِ الشديدِ. لكنّها لمْ تستسلمْ أبدًا. كانتْ تُقاومُ كلَّ التحدياتِ، وتَستمرُّ في النموِّ بِإصرارٍ وعزيمةٍ.

ذاتَ يومٍ، مرَّ رجلٌ عجوزٌ بِجانبِ الشتلةِ. نظرَ إليها بِنظرةٍ حزينةٍ، وقالَ: “يا شتلةً صغيرةً، ما الذي تَفعلينَهُ هنا؟ إنَّكِ ضعيفةٌ جدًا، ولنْ تستطيعِي البقاءَ على قيدِ الحياةِ في هذا المكانِ القاسيِ”.

الرجلُ العجوزُ
رفعتْ الشتلةُ رأسَها، وقالتْ بِصوتٍ خافتٍ: “أنا أعلمُ أنَّني ضعيفةٌ، لكنّني أُريدُ أنْ أعيشَ. أُريدُ أنْ أُصبحَ شجرةً كبيرةً، تُفيدُ الناسَ وتُسعدُهمْ”.

ابتسمَ الرجلُ العجوزُ، وقالَ: “إنَّ إيمانَكِ قويٌّ يا شتلةً صغيرةً. سأساعدُكِ على النموِّ، وسأُحميَكِ من كلِّ المخاطرِ”.

قامَ الرجلُ العجوزُ بِريِّ الشتلةِ بِالماءِ، ووضعَ حولَها بعضَ الحجارةِ لِحمايتِها من الرياحِ القويةِ. زارَها كلَّ يومٍ، وتحدَّثَ إليها بِكلماتِ التشجيعِ والود.

مع مرورِ الوقتِ، بدأتْ الشتلةُ تنموُ وتَقوى. أصبحتْ أوراقُها خضراءَ نضرةً، وساقُها قويةً متينةً.. كانَ الناسُ سعداءً جدًا بِوجودِ هذه الشتلةِ في قريتِهم. كانوا يأتونَ إليها من كلِّ مكانٍ، لِيَستظلُّوا بِظلِّها، ويَتناولوا من ثمارِها الطيبةِ.

الرجلُ الجشعُ
واجهُت الشتلةُ مزيدَ من العقباتِ في طريقِها للنموِّ، مثلَ: الحيواناتُ التي تُحاولُ أكلَ أوراقِها، والأطفالُ الذين يُلعبونَ حولها ويُلحقونَ الضررَ بها.. الرجلُ الجشعُ الذي يُحاولُ قطعَها.. تُقاومُ الشتلةُ كلَّ هذه العقباتِ بِإصرارٍ وعزيمةٍ بمُساعدُة بعضُ الحيواناتِ والطيورِ، مثلَ: العصفورُ الذي يُحذّرُها من الخطرِ، والسنجابُ الذي يُخبّئُها من الحيواناتِ المفترسةِ، والنملةُ التي تُساعدُها في نقلِ التربةِ.

تذكرت هذه الحكاية بمناسبة ذكرى وفاة أمي التي تأتي 28 فبراير، في هذا اليوم، يمر عام آخر على رحيلها، رحيل غيّر حياتي إلى الأبد.. رحلتِ تاركةً فراغًا كبيرًا لا يمكن لأي شيء أن يملأه.. ما زلت أتذكر صوتها العذب ودفء حضنها، وما زلت أشعر بحنانها وحبّها الذي لا ينضب.

صدقا.. أفتقد أمي في كل لحظة، أفتقد ابتسامتها الدافئة ونظراتها الحنونة، أفتقد نصائحهاِ الحكيمة ودعمهاِ الدائم.. أعلم أنهاِ في مكان أفضل الآن، مكان لا يوجد فيه ألم أو حزن، لكن ذلك لا يمنعني من الشعور بالحزن والاشتياق إليكِ.. وسأظل أذكرهاِ دائمًا، سأظل أحبهاِ إلى الأبد.

أغلى من الياقوت
يا سادة.. تعلمت من حكايات «تاج رأسي» أمي تلك السيدة التي «أغلى من الياقوت» دروس حكيمة ساعدتني على تشكيل شخصيتي وجعلتني ما أنا عليه اليوم وزرعت بداخلي أنّ الأملَ قويٌّ، وأنّهُ يُمكنُنا أنْ نحققَ أحلامَنا مهما كانتْ صعبةً. تعلّمت أيضًا أنّ الإصرارَ والعزيمةَ هما مفتاحُ النجاحِ في الحياةِ.

واجهت أمي العديد من التحديات في حياتها، ولم تستسلم أبدًا. علمتني أن أكون قويًا في مواجهة الصعوبات، وأن أتحلى بالصبر حتى أتمكن من تحقيق أهدافي.. زرعت في نفسي الثقة بالنفس والإيمان بقدراتي، علمتني أن أؤمن بنفسي وأن أكون على استعداد لتحقيق أحلامي مهما كانت صعبة.. وغرست في نفسي حب القراءة والتعلم.. كانت تشجعني على قراءة الكتب في مختلف المجالات، علمتني أن المعرفة هي أقوى سلاح.

أطمئني
ممتن جدًا لأمي ولكل ما علمتني إياه، فهي هبة من الله في حياتي.. ساعدتني دروسها الحكيمة على أن أصبح شخصًا أفضل، وأنا أسعى دائمًا لتطبيقها في حياتي اليومية.. واسمحي لي أن أبلغك بما هو حالي: الشتلةٌ تعانقْ بِجذورِها الصخرَ القاسي دون خوف، وترفعْ رأسَها نحوَ الشمسِ الدافئةِ دون خوف.. ولم تعد شتلةً صغيرةً، ولم تعد هَزيلةَ الأوراقِ أو ضعيفةَ الساقِ، لكنّها استمرت تَحملُ في داخلِها روحًا قويةً، وقلبًا مُفعَمًا بالأمان واستمرت في كلِّ صباحٍ تَستيقظُ على نداءِ العصافيرِ، وتَستنشقُ هواءَ الفجرِ العليلَ وتَنظرُ إلى السماءِ الزرقاءِ، وحققت حلم أن تُصبحُ شجرةً كبيرةً، تُظلِّلُ الناسَ من حرِّ الشمسِ، وتُقدمُ لهمْ ثمارًا طيبةً.. اطمئني.. فهل من مجيب؟!

التعليقات مغلقة.